بسام أبو زيد

إستفتاء الحرب

في أسوأ الحالات، نصف الشعب اللبناني لا يريد الحرب لا في الجنوب ولا في غيره من المناطق اللبنانية. وفي أحسن الحالات، لا يشكل مؤيدو الحرب سوى أقلية محدودة ولكنّها أقلية تفرض إرادتها على بقية اللبنانيين وتأخذهم إلى حيث تريد من دون أن يكون لرأيهم أي اعتبار.

في الدول التي يحدث فيها اختلاف شديد في وجهات النظر في قضايا مصيرية يلجأ المسؤولون عن مصير البلاد والعباد، إلى استطلاع رأي الناس من خلال استفتاء شعبي يطال هذه القضية ويمتثل المسؤولون لرأي الأكثرية التي تؤيد هذا الطرح أو ذاك. وانطلاقاً من هذه الخطوة الديمقراطية لا بد وأن يُسأل اللبنانيون ما إذا كانوا يريدون الحرب أم لا وما إذا كانوا يربطون مصيرهم ومصير بلدهم بالقضية الفلسطينية، ووفق الأجوبة التي تحصل على الأكثرية يؤخذ البلد إلى الحرب أو إلى الإستقرار والهدوء.

إن أي استفتاءٍ يجب أن تتوفر له أيضاً ظروف ديمقراطية مناسبة، فلا يمكن إجراء استفتاءٍ وهناك فئة لبنانية مسلحة تستطيع أن تضغط على من يعيشون في بيئتها من أجل دفعهم لتأييد الحرب، كما أنّ الاستفتاء يجب أن تتاح المشاركة فيه لكل مواطنٍ حيث يرغب أن يدلي برأيه لا أن تكون العملية محصورةً في قريته أو بلدته أو مدينته فيكون عندها قادراً على التحرر من أي قيود أو ضغوط، كما أنّ هكذا استفتاء وفي بلد مثل لبنان لا بد وأن يكون تحت رعايةٍ ورقابةٍ دوليةٍ وأن تكون نتائجه ملزمة للجميع. إن هكذا استفتاء هو الوسيلة الوحيدة لإظهار الإرادة الفعلية للبنانيين والقول إنّهم يؤيدون الحرب أم لا، وكل كلامٍ آخر عن إدعاء هذا أو ذاك أنه يجسد في عمله هذه الإرادة ما هو إلا تزوير لرغبات أكثرية اللبنانيين واستخدامهم كذريعةٍ في تبرير الأعمال التي يقوم بها البعض، من دون العودة إلى حقيقة ما يريده اللبنانيون بالفعل. إنّ الدعوة إلى هكذا استفتاءٍ لن يكون مرحباً بها من قوى الأمر الواقع التي تدرك أن لا أكثرية مؤيدة للحرب، وقد يكون رد فعل هذه القوى بتوجيه المزيد من اتهامات الخيانة والعمالة لمن يروجون لهكذا طروحات، ولأن قول أكثرية اللبنانيين بما يرغبون به حقاً وفرضه بالديمقراطية على الأقلية سيحبط مشروع هذه الأقلية الذي يمتد من خارج الحدود إلى لبنان وسيكون إحباطه بمثابة ضربةٍ كبيرةٍ لأصحاب هذا المشروع وهذا ما لن يقبلوا به حتى ولو أصبحوا أقلية الأقليات.