الرغبة في نشر الفوضى تؤجج هوس البشر بنظريات المؤامرة

02 : 00

يكشف بحث جديد أن الرغبة في تخريب النظام السياسي القائم هي جزء من أقوى الدوافع لنشر نظريات المؤامرة، بغض النظر عن تصديق الفرد للنظريات التي ينشرها. يستعمل الباحثون عبارة «الحاجة إلى الفوضى» للدلالة على هذا التعطش إلى التخريب.



إنطلاقاً من أبحاث سابقة، أجرت العالِمة السياسية كريستينا فارهارت وفريقها من جامعة «كارلتون» استطلاعاً شمل 3336 فرداً من الولايات المتحدة. انقسم المشاركون بالتساوي بين مختلف الأطياف السياسية. طرح الباحثون أسئلة لتقييم نزعة المشاركين إلى نشر نظريات المؤامرة لأنهم يصدقونها، أو يرغبون في دق ناقوس الخطر، أو يحتاجون إلى نشر الفوضى.

تماشياً مع نتائج الأبحاث السابقة، استنتج الباحثون مجدداً أن تصديق المؤامرة هو أقوى عامل يؤثر على استعداد الفرد لنشر النظريات على مواقع التواصل الاجتماعي. غالباً ما تنجم تلك القناعات عن مخاوف مشروعة وعالقة يتخبط الناس بسببها في حياتهم اليومية.

كان مفاجئاً ألا تدعم البيانات الجديدة الفرضية القائلة إن ناشري نظريات المؤامرة يريدون «دق ناقوس الخطر» لحشد الدعم ضد خصم معيّن. كانت هذه النزعة لتشير إلى رغبة ناشري النظريات في دعم الجماعة الثقافية الأقرب إليهم.

لكن تبيّن أن الحاجة إلى نشر الفوضى تشكّل مؤشراً أقوى من تصديق نظريات المؤامرة التي يريد الناس نشرها، ما يشير إلى ظاهرة أكثر تعقيداً من مجرّد تأييد الجماعة التي ينتمي إليها الفرد.

بما أن البحث يرتكز على مراقبة المشاركين وجمع أجوبتهم، لا يستطيع الباحثون أن يربطوا مباشرةً بين الدوافع والإقدام على نشر النظريات. لكنهم أخذوا بالاعتبار مجموعة عوامل قد تؤثر على النتائج، منها الانتماء السياسي والعرقي، والنزعة إلى الوثوق بالآخرين، والعمر، والجنس، ومستوى الدخل.

كان الباحثون عن الفوضى أكثر ميلاً إلى التعبير عن تأييدهم لمواقف من النوع التالي: «لا يمكننا أن نعالج المشاكل في مؤسساتنا الاجتماعية، بل يجب أن نهدمها بالكامل لإعادة بنائها من جديد».

تبيّن أيضاً أن من يصدّقون نظريات المؤامرة يكونون أكثر ميلاً إلى تقاسمها إذا كانوا يحتاجون في داخلهم إلى نشر الفوضى. لكنّ هذا الدافع لا يفرض على الناس بالضرورة أن يصدّقوا ما ينشرونه، بل إن الباحثين عن الفوضى يبررون مشاركتهم في حملات التضليل على شبكة الإنترنت عبر اعتبار هذه الخطوة هجوماً ضد مؤسسة لا تفيدهم أو مجرّد أداة لمحاربة الملل. تتّضح هذه النزعة الأخيرة في الموقف التالي: «أنا أحتاج إلى الفوضى من حولي. الهدوء ممل أكثر من اللزوم».

يتماشى هذا الاستنتاج مع نتائج دراسات سابقة لاحظت أن من يشعرون بانعدام الأمان المالي أو الاجتماعي هم أكثر ميلاً إلى تصديق نظريات المؤامرة. تفسّر هذه النزعة أيضاً سبب شيوع تلك النظريات في زمن الأزمات، إذ يتعامل الناس في هذه الفترات مع مشاكل مادية ومخاوف صحية.

على صعيد آخر، أكدت الأبحاث السابقة على شعور الفرد الذي يخدع الآخرين بأنه يفرض سيطرته على كل شيء، ولو بشكلٍ عابر، علماً أن ناشري نظريات المؤامرة يفتقرون إلى هذا الشعور في مجالات أخرى من حياتهم.

نظراً إلى تصاعد الضغوط التي نواجهها في مجالات متنوعة من حياتنا اليومية راهناً، يُفترض ألا يتفاجأ أحد بهذه النتائج الجديدة. يتعامل عدد كبير من المواطنين مثلاً مع مشاكل مثل ارتفاع كلفة المعيشة، وتدهور الصحة العامة، وانتشار المخاوف المالية، وتراجع مستوى التعليم، وزيادة الكوارث الطبيعية، وارتفاع معدلات الوفيات.

في النهاية، يستنتج الباحثون: «تطرح نتائجنا أدلة قوية مفادها أن الناس يبدون استعدادهم لتقاسم نظريات المؤامرة على مواقع التواصل الاجتماعي، لا من أجل ترسيخ قناعات سابقة فحسب، بل لتحريض الآخرين ضد النظام السياسي كله».

نُشرت نتائج البحث في مجلة «الأبحاث والسياسة».

MISS 3