جاد حداد

Netflix Corner

ZONE BLANCHE... فخامة مطلقة على الطريقة الفرنسية

26 حزيران 2020

02 : 00

يظن الكثيرون في فرنسا أنهم يفتقرون إلى الأعمال التي تدخل في خانة الخيال الشعبي. لذا يُعتبر قرار قناة عامة مثل "فرانس 2" أخذ هذه المجازفة عبر إنتاج مسلسل Zone Blanche (منطقة فارغة)، مع إعطاء كامل الحرية لفريق العمل المبدع ومن دون إضعاف صلاحيات الكتّاب والمخرجين والمنتجين، خطوة واعدة للغاية. لكن تزيد الثقة بهذا العمل أيضاً لأنه يملك جميع عناصر النجاح. نحن أمام مسلسل قوي وحيوي ولامع، وهو ينقل المشاهدين إلى قصص معروضة بسلاسة فائقة وفيها نفحة من أفلام التشويق الغربية، فيلامس الخيال من جهة ولا ينسى أهمية اللحظات المضحكة والتهديدات الخطيرة من جهة أخرى. على صعيد آخر، يبتكر هذا المسلسل عالماً يتماشى مع الإشكاليات التي يطرحها ويقدم لنا البيئة التي تدور فيها الأحداث بطريقة صادقة، فلا نضطر للتشكيك بجميع أفكاره ومشاهده على مر مدة العرض.

يجمع Zone Blanche بين أنواع سينمائية متنوعة وهو يستعملها ببراعة فائقة وموهبة لافتة، مع أنه كان يستطيع تضليلنا وإرباكنا بسهولة لو أنه اتخذ مقاربة معاكسة. بفضل الحوارات الحيوية لصانع العمل ماتيو ميسوف وكتّاب السيناريو الآخرين وإخراج تيري بوارو وجوليان ديسبو ومثابرة المنتج فنسنت مولوكيه، يحقق المسلسل هدفه بما يفوق التوقعات المنتظرة منه. تتّضح هوية المسلسل وأجواؤه العامة عبر إخراجه الفني وجوانبه الجمالية المؤثرة وطريقة تصوير المشاهد المتقنة واختيار الألوان اللافتة. بدءاً من الأزياء وصولاً إلى الأسلحة المحمولة على الخصر، يعرض لنا المسلسل عالماً لا ينفصل عن الواقع المألوف بالكامل، لكنه يطرح أفكاراً مختلفة وطموحة تزامناً مع إخراج المشاهد بأسلوب فخم وسلس. فيما تطغى المسلسلات البوليسية التقليدية التي تدور أحداثها في المدن على الشاشات، يعرض Zone Blanche بأجوائه الريفية المناظر والأصوات الطبيعية الفرنسية.





يُعتبر هذا الطرح إيجابياً لكنه يصبح محفوفاً بالمخاطر إذا لم تكن المواقف ومواصفات الشخصيات متماشية معه. لحسن الحظ، يرتكز السيناريو على شخصيات متنوعة يتألف منها سكان بلدة "فيل فرانش" التي تدور فيها الأحداث، ويبرع في تنويع الإيقاعات ولا يُركّز جميع أحداثه على اكتشاف سر محوري غامض. تنتهي كل قضية مع نهاية الحلقة ثم تتلاحق الأحداث التي تواكبها على طول المسلسل. تتعدد الطبقات السردية المتداخلة في هذا العمل وتتمحور جميعاً حول ذلك المجتمع المتماسك و12 شخصية رئيسة، بالشكل الذي وصفه المنتج فنسنت مولوكيه حين عرّف عن المسلسل أمام الصحافة.

أصبح اختيار ممثلين مختلفين عن الوجوه المعروفة في المسلسلات الأخرى رهاناً رابحاً اليوم. بدءاً من سوليان ابراهيم التي تأتي من مسرح "الكوميديا الفرنسية" وأثبتت تميّزها وجاذبيتها، وصولاً إلى هوبرت ديلاتر بدور "نونورس" متعدد الجوانب، مروراً بسامويل جوي وأدائه الدرامي القوي، ولوران كابيلوتو وقدرته على تغيير طبقاته الصوتية، يسمح توزيع الأدوار بهذا الشكل بتوضيح أجواء المسلسل وتسهم الموسيقى التصويرية المدهشة في إضفاء فخامة لا توصف على العمل ككل.

من الناحية السلبية، ربما يبالغ Zone Blanche في الاتكال على مراجع سابقة (على غرارTwin Peaks أو Fargo، كما اعترف المخرج تيري بوروا شخصياً)، لكن لا يرزح المسلسل مطلقاً تحت ثقل هذه الأعمال الناجحة، بل يستعمل موارده الخاصة لاتخاذ خط مبتكر ومختلف وإدخال المشاهدين إلى عالم شاعري غريب من دون أن ينفصل بالكامل عن الواقع. بعبارة أخرى، يرسم هذا العمل الترفيهي الشعبي مساره الخاص من دون الاتكال على أساليب مألوفة. لا يقع المسلسل في فخ الأعمال الخفيفة والعابرة، بل يثبت أن المسلسلات الفرنسية قادرة على إنتاج أعمال من نوع الخيال الشعبي تزامناً مع تقديم برامج لها قيمة فنية كبرى وتستطيع أن تحاكي جميع أنواع المشاهدين.


MISS 3