ستيفاني غصيبه

"الفيل يلّي بالأوضة"... عرضٌ تجريبيٌّ على خشبة "مونو"

12 كانون الثاني 2024

02 : 00

«ما لازم إنسى، لأن إذا نسينا، منصير مش موجودين»، جملة من المسرحيّة التجريبيّة «الفيل يلّي بالأوضة» على مسرح «مونو» (من 11 حتّى 14 كانون الثاني)، جعلتنا نغوص رغم بدائية العرض في علاقة تجمع بين أمّ وابنها على مدى 40 دقيقة.



من منّا قادرٌ، لو أراد، على إطالة عمره ولو بمقدار ذراعٍ واحدة، أو على الهروب من موتنا الحتميّ، أكان جسديّاً أو فكريّاً، ومن منّا قادرٌ على تفادي العودة التدريجيّة من الكيان الذي أسّسناه لأنفسنا إلى التراب الجامد البارد؟

فقدرنا الإنسانيّ هذا- الذي لا مفرّ منه- هو «الفيل» في غرفة أذهاننا الفانية، لكن في الوقت نفسه، الوسيلة الوحيدة لمنح مسيرتنا البشريّة قيمتي الوجود والنسيان. ومسرحيّة «الفيل يلّي بالأوضة» ما هي إلّا اقتباس من هذه المسيرة، إذ تدور حول أمٍّ وولدها فؤاد؛ أمٌّ شارفت قصّتها على النهاية فتخبّطت الذكريات السعيدة والمأساة في داخلها، وولد يتخبّط ما بين حياته وبين التي وهبته الحياة.

وفي هذه التجربة المسرحيّة الأولى كتابةً وإخراجاً لابراهيم خليل، لا يلعب فؤاد أو أمّه دور البطل/‏ة، بل ساعة معلّقة في صلب الديكور المسرحي، تعلّق فيها كلّ أحداث المسرحيّة القصيرة، وتأسر بين عقاربها الجامدة حياة البطلين. ويؤدّي الممثّلان علي السمرا وفاديا التنير أدوارهما في نسخة عن بيت لبنانيّ متواضع، الكنبة فيه مخلوعة والتلفاز صغير والطاولة الأساسيّة مخدوشة من كلّ الجهات والكرسيّان الخشبيّان من الطراز القديم، تُنقّى فيه حبّات العدس وأوراق السلق وتُنظّف الغبرة عن البرواز العتيق يوميّاً.

ويشير خليل في حديث لـ»نداء الوطن» إلى أنّ «التحضير لهذا العمل بدأ منذ آذار 2023، وهو جزء من مبادرة لتشجيع المسرح أطلقتها مدرسة «بيروت للمسرح وفنون الأداء»، تخللت ورش عمل وتجارب مع رياديّين في المجال، ووصلت إلى اختيار واحد من الأعمال المقدّمة من قبل المتدرّبين وتمويله في سبيل عرضه على خشبة مسرح «مونو» في بيروت».

«كتابة هذه التجربة المسرحيّة لم تكن سهلة»، يؤكد خليل موضحاً أنّ تحدّيات كثيرة واجهته في الإخراج حيث كان يترتّب عليه أن يخلع قبّعة الكاتب ليتقمص دور المخرج ويلبس النص أفضل حلّة ممكنة، ولو على حساب النص نفسه، اضافةً الى الأوضاع الراهنة في المنطقة. ويضيف: «هذه أوّل خطوة، وأتمنّى أن يكون الجمهور شعر بشيء ما ولو بسيط، وأن أكون طرحت الأسئلة المتعلقة بأهلنا ومدننا وكيف تأسرنا علاقاتنا بها بكلّ السبل الممكنة».

عرض طور التحسين

هذا العرض هو قبل كلّ شيء تجربة طور التحسين، وأكّدت فاديا التنير التي تؤدّي دور الأمّ، أنّ «المرّات الأولى لا يمكن أن تخلو من المطبّات والتعثّرات، خصوصاً وأنّ وقت التحضير على المسرح كان محدوداً، أمّا النص فكان غير مكتمل في بداية التمارين. لكن بتكاتف فريق العمل، وصلت الأمور لما هي عليه بعد تجارب واختبارات وتغيير مستمر، قد تُتابع حتّى في العروض الأربعة المقبلة. فما هو المسرح إن لم يكن هذه التجربة المستمرّة؟».

وفي ظلّ أزمة يعاني منها المسرح اللبناني تجبره على إقفال أبواب بعض مَعاقله، يبقى هذا الاختبار «مقاومة من نوع خاص»، وكما يقول المخرج: «تقال على الخشبة أشياء كثيرة بحاجة لمن يسمعها، فالمسرح يولّد لدى المشاهد إحساساً مختلفاً تماماً عما قد تولّده كلّ باقي وسائل الترفيه المرئيّة». فالمسرح طقوسٌ، يدخل فيها هاوي المغامرة ولا ينتهي منها، حتّى بعد إغلاق الستارة.

MISS 3