مريم مجدولين لحام

العدالة للطفل السوري: "إرفعوا يد الحماية عن المعتدين"

4 تموز 2020

02 : 00

بلدية سحمر
"العدالة للطفل السوري"، "هاشتاغ" تصدّر منصّة "تويتر" في لبنان، وشارك فيه العالم العربي أجمع بفنّانيه ومُمثّليه وناشطيه، نُصرةً للناجي محمد ح.، وهو سوري الجنسية من مواليد العام 2007، والذي ظهر في فيديو تمّ تداوله، وهو يتعرّض مُكرهاً للتحرّش الجنسي من قبل عدد من الشبان اللبنانيين، أبناء بلدة والدته "سحمر" البقاعية. أما المتّهمون، فمنهم من امتثل للعدالة، ومنهم من لديه حصانة اجتماعية من أحزاب المنطقة وضعتهم في منأى عن أي مساءلة أو محاسبة.




قبل الخوض في تفاصيل القضية، لا بدّ من تسليط الضوء على استفادة المُعتدين من امتيازات مزدوجة، دفعتهم لتوثيق عملهم الشنيع من دون خوف من النتيجة في ما لو انتشر الفيديو، كونهم مواطنين لبنانيين وهو من الفئات المهمّشة أولاً... ويتمتعون بحماية سلطة سياسية "فوق- سماوية" ثانياً، مكّنهم ذلك لسنوات ثلاث ماضية من الإعتداء عليه بأريحية فاجرة، ظهرت في ضحكاتهم الرنّانة خلال فعل الإعتداء، مُستغلّين سيادة ثقافة "فائض القوة" وطوقٍ من التقديس أخاف الطفل الناجي وجعله يتألم بصمت، وحال دون فضحه لهم، رُعباً من مصيره المجهول إذا ما اتّهم رجالاً متدثرين بلباس التقوى وبوسام "أشرف الناس".غطاء سياسي

قد لا يكون كونه "سورياً" عاملاً مُساعداً في انتهاك حقّه كناجٍ في العدالة فقط، بل يربط معظم المُتفاعلين مع هاشتاغ "العدالة للطفل السوري" ذلك، مع إحتمالية لفلفة الملفّ مع مرور الزمن، واختفاء الضغط الإعلامي على قضيته في الشهور المقبلة. وهذه وصمة مُتجذّرة في عقول الفئات المُهمّشة في لبنان، تدفع من يُعاني منهم من الإعتداء أو الإنتهاك لحقوقه الإنسانية، إلى الخوف من طلب المساعدة، نظراً الى حمولة العار ولائحة الإتهامات بتضخيم المسألة والتبريرات للجناة، والتي تُدرج تحت بند استضعافهم، وهو ما حوّل الموضوع إلى مشادة كلامية و"شتائم متبادلة" بين الشعبين السوري واللبناني على منصّات التواصل.



الإعلامي سالم زهران


ففي السلطة الرمزية الممنوحة للمُعتدين، تحوّلت جريمتهم مؤامرة سياسية على "هيبة" المُتحكّمين بأمن المنطقة وأمانها، وفي اعتبار أنّ الحفاظ على رمزية "المقاومة" أهمّ من تحقيق العدالة لمن تمّ اغتصابه. وتتجلّى هذه الصورة في استنكار رئيس بلدية سحمر حيدر شهلا الإعتداء المؤلم، وتصريحه لعدد من المؤسسات الإعلامية بأنه "حصل منذ ثلاث سنوات، ولكنّه أثير أخيراً عبر تسريب الفيديو لأسباب قد تكون "شخصية أو سياسية"، وإلى أن أربعة من المعتدين هم من "الأقارب" وأنهم "كانوا قُصّراً وقت حصول الواقعة"... كذلك ذهب البعض إلى التصريح عن أنّ الإعلام "يُضخّم الموضوع" وأنّ "الإعتداء لم يصل الى حدّ الإغتصاب ولا دليل حسياً وملموساً حتى الآن يُثبت ذلك"!

وبالرغم من أنّ أكثر البؤر التي تُسجّل فيها اعتداءات جنسية في حقّ الأطفال والقُصّر، هي المناطق "المُحافظة" شكلاً، ويُسيطر عليها حزب يعتبر نفسه إلهياً وآخر ينصر المحرومين، وبالرغم من تأكيد أهمّ الإعلاميين المُناصرين للثنائي المُمانع، كسالم زهران أنّ "ما يُشاع عبر مواقع التواصل الإجتماعي من حماية لهؤلاء الأشخاص من قبل أحزاب المنطقة، عار من الصحّة"، وفي ردّه على تغريدة "في الإنسانية لا تسييس، و لا متاريس يا صديقي"، إلا أنّه ليس لكلامه ترجمة فعلية على أرض الواقع وتأكيداته لا تكفي لتحقيق العدالة ما دامت الأنظمة السياسية والأحزاب المُسيطرة تستخدم سلطتها لحماية المُعتدين وتغطيتهم، أو تهريبهم إلى سوريا المجاورة للبلدة، إدامة للإنتهاكات بل وتأبيدها.



سفير الأحداث جو معلوف



سفير اتّحاد حماية الأحداث

أما الإعلامي اللبناني، وسفير اتّحاد حماية الأحداث جو معلوف فأكدّ لـ"نداء الوطن" أنه تحرّك فور ورود معلومات واتصالات من عددٍ من الزملاء، وتناقلهم للفيديو الذي نشره المُنتدى الإخباري على صفحته الفايسبوكية، وتواصل مع مدّعي عام البقاع القاضي منيف بركات الذي تحرّك فوراً وكلّف القاضية ناديا عقل بفتح تحقيق. وبعد الإستماع لشهادة الطفل، بحضور مندوبة الأحداث في مركز المفرزة، وباستماع وحضور والدته التي اتّخذت صفة الإدّعاء الشخصي بحق المُشتبه بهم بجرم اغتصاب وتحرّش جنسي، أفاد القاصر أنه ومنذ حوالى السنتين، وخلال عمله في معصرة للزيتون، أقدم ثمانية شبان من الجنسية اللبنانية على التحرّش الجنسي به ومُمارسة أفعال منافية للحشمة معه، كاشفاً عن هوياتهم إذ تبيّن أن أحدهم يكبره بثلاثين عاماً وعمره 43 سنة من مواليد سنة 1977، وآخر يكبره بـ 26 عاماً وعمره 39 عاماً من مواليد سنة 1981، وشباباً آخرين أعمارهم بين 18 و22 سنة مواليد 1998، 1999، 2000 و2002، ما يعني أن منهم من كان قاصراً وقت حصول الإعتداء منذ ثلاثة أعوام. كذلك، جرى عرض القاصر على لجنة طبية شرعية".

وأشار معلوف الى أنّ "احدى دوريات شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي تمكّنت من توقيف خمسة أشخاص حتى الساعة، في اليوم الأول تمّ القبض على واحد منهم، وبعدها ثلاثة والبارحة تمّ القبض على شخص واحد. كما أودعوا مكتب مكافحة الإتجار بالأشخاص وحماية الآداب في وحدة الشرطة القضائية، وتمّ تعميم بلاغات بحث وتحرّ بحق باقي المتورّطين، بناء على إشارة القضاء المُختصّ"، آملاً في أن يتمّ القبض على البقيّة قبل فوات الأوان. وأكد متابعته للقضية "لآخر نفس" من كافة جوانبها، سواء القضائية أم المعنوية أم النفسية، في اعتبار أنّ القضية الأساس هي حماية القاصر، نظراً الى تأثير الفعل الجرمي النفسي على حياته ومستقبله. كذلك دعا معلوف إلى عدم التداول بفيديو الإعتداء، أو نشره على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي أو عبر الإعلام، نظراً الى أنّ الشخص الضحيّة هو قاصر، وأن وجود الفيديو على الفضاء الإلكتروني يبقى "طول العمر"، ويحفر الحادثة في ذهن الضحية ويؤذيه مستقبلاً.



صور انتشرت على أنها لثلاثة مرتكبين



القصّة من "الأم"

وبغصّة تملأها الدموع، بدأت والدة الضحية حديثها مع "نداء الوطن" بالقول: "أريد العدالة لطفلي فقط". وأكملت: "حُرم ابني وابنتي من جنسيتي اللبنانية كون والدهما كان سوري الجنسية، كذلك حُرما من والدهما بعد انفصالنا، ولكن لم أكن أعلم أن "محمد" قد حُرم من طفولته البريئة أيضاً إلا منذ أيام. فبما أنني المُعيلة الوحيدة لعائلتنا، وبما أن ما أُنتجه من محلّ بيع الخضار الذي أملكه بالكاد يكفي، هبّ ابني الحنون بطبعه لمساعدتي في المصاريف والعمل في معصرة الضيعة، التي كنت أظنّ أنها "آمنة" وأن ابني بين أفراد عائلته وأبناء البلدة الحاضنة لنا. وبالرغم من أنه يعمل اليوم في محلّ آخر لبيع الدجاج، وعمره 15 سنة ونصف وقد مرّ على الإعتداء الموثّق حوالى سنتين ونصف، فأنا مُتخوّفة من تكرار ما حدث معه ومن احتمال تعرّضه للتنمر بعد انتشار الفيديو. كذلك، لم أكن أعلم أنه قد واجه لسنوات تحرشاً واعتداءً، وأنه قد تعرّض للإبتزاز الجنسي والتهديد بالقتل في ما لو فضح لي ما يحصل معه". وأردفت: "لن أستكين حتى يرى ابني كل من افترس براءته وقتل ملائكيته في السجن، بخاصة بعدما شعر ابني بالخوف من تهديد من اعتدى عليه بإيذائه وقتله، وشعوره الخاطئ بالذنب ولوم نفسه والإحساس بالخجل لعدم قُدرته على حماية نفسه، وعجزه عن الإفصاح لي عن موضوع بهذا القدر من الحساسية، فقد تعرّض للإغتصاب وأحياناً بالتناوب، وهو أمر لو حصل لي أنا، وأنا أكبره بسنوات ولست قاصراً، لكنت أيضاً تدمّرت نفسياً".

وفي خضمّ تسارع الأحداث على عائلتها، اعترفت أم محمد أنها قلقة على هدوء محمد، وعلى تبعات ما حدث معه، وأنها "قلقة لأن آثار الإعتداء النفسي والجسدي على ابنها ليست وقتية، وأنها مُرتعبة من أن يقوم بفعل قهري لذاته، ناتج عن التجربة المؤلمة التي عانى تفاصيلها ومن فكرة تأثير الحادثة المُتكررة التي واجهها على تقييمه لنفسه، وعلى ثقته بمن حوله. وناشدت الجمعيات المعنية بالصحة النفسية للقصّر مساعدة ابنها على تخطّي المرحلة.

وأضافت: "كل من شاهد الفيديو شعر بالغضب، لكن ما شعرت به من أحاسيس كان أضعاف ما شعر به الجميع، فبعدما أخبرني صهري عن الفيديو وشاهدته، عاد بي الزمن إلى الوراء وتوضّحت أمور كثيرة وتغيّرات لاحظتها لسنوات على شخصية محمد لم أكن أعلم ما سببها، فأحياناً كان يعود الى المنزل وعليه آثار للضرب، وكان يتهرّب من الإجابة بالقول أنه قد وقع أو تعرّض لحادثة أثناء العمل". وأكملت: "بعد انتشار الفيديو، اعترف ابني لي أولاً ومن بعدها في التحقيق، أنّ ثمانية شبّان قد تناوبوا على تعذيبه، وهم من الجنسية اللبنانية ومعروفون بالإسم، استطاع الأمن القبض على خمسة منهم، وثلاثة نتخوّف انه قد تم تهريبهم إلى الحدود السورية القريبة من بلدتنا، أو أنه لا قدّر الله، يتمّ إخفاؤهم وحمايتهم من قبل نافذين. لذا، أناشد الإنسانية في كل من شاهد ما تعرّض له ابني، وأطلب ممّن شارك في أذيّة محمد، المثول امام العدالة، ومن الدولة اللبنانية إنصاف طفلي الذي حُرم من جنسية والدته، علّه لا يُحرم من عدالة قضاء وطنها".


MISS 3