سناء الجاك

هندسة جديدة للشرق الأوسط ماذا عن القضية الفلسطينية؟

7 شباط 2024

02 : 00

دخل لبنان ومعه منطقة الشرق الأوسط الشهر الخامس للحرب التي اندلعت من قطاع غزة، لتتشظّى وتُنشِئ بقعاً ساخنة في مناطق أخرى، دعماً ومساندة لم تتجلّ فوائدهما حتى الساعة، وتحديداً بالنسبة إلى الفلسطينيين الذين يتعرّضون لإبادة تحرّك ضمائر الشعوب، إلّا أنّها لا ترغم الأنظمة والحكومات على وضع حدٍّ لها في المدى المنظور.

وتبدو الجهود الدولية «الرسمية» المبذولة حتى الساعة دون مستوى ما يتعرّض له هذا الشعب من إجرام على يد الآلة العسكرية الإسرائيلية. والأفظع أنّها لن ترقى إلى ما يزيل الظلم والهوان ويمنحه عدالة بالحدّ الأدنى.

ويمكن القول إنّ فتح الجبهات الرديفة للحرب في قطاع غزّة، سلب هذه القضية محوريتها ونزع عنها أولويتها، ليصبح الإهتمام موزّعاً على لبنان و»حزب الله» والأزمة الرئاسية وتنفيذ القرار 1701... وكذلك برز الإهتمام بالملاحة الدولية وباب المندب وقناة السويس والحوثيين، وأيضاً بالميليشيات التابعة لإيران في سوريا والعراق، ما وسّع مروحة البحث عن حلول من خلال مفاوضات، كلّها تستوجب عدم تجاهل إيران.

فالمعلومات المسرّبة عن التسويات المطروحة، سواء مع حركة «حماس» أم مع «حزب الله»، ترتبط فقط بمصالح الأطراف المعنيين بهذه الحرب، ليحقّق كلّ طرف انتصاراته وفق متطلبات محوره ووجوده السياسي، وليس ليكفّوا شرورهم عن المدنيين العزّل المجهول مصيرهم بعد وقف إطلاق النار.

وكأنّ المرحلة تتعلّق بهندسة جديدة للشرق الأوسط وفق تقاطع المصالح بين الكبار المتحكّمين بالقرار، وليس وفق متطلبات العدالة للقضية الفلسطينية، التي يكاد يقتصر دورها على العنوان. فتعاقب الأحداث وتطوّرها يوضح يوماً بعد يوم أنّ هؤلاء الكبار يتجنّبون المواجهات المباشرة، ويحاولون ضبط إيقاع حروبهم الصغيرة بحيث لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم، مع التزام من جانب الإدارة الأميركية بالنهج المعتمد والقائم على حروب بالواسطة من خلال الاشتباك مع أذرع محور الممانعة، من دون أيّ مواجهة مباشرة مع رأس المحور الإيراني، صوناً لخطّ المفاوضات التي سيدقّ جرس انطلاقتها، وإن بعد حين. فالمناوشات المحدودة والضربات والردود المدروسة عليها، تُظهِر بما يشبه اليقين تنسيقاً ضمنيّاً بين الطرفين اللدودين، ففي حين تُبرّر أذرع المحور الإيراني ضرباتها على القواعد الأميركية انطلاقاً من أن الولايات المتحدة هي شريك كامل مع العدوّ الصهيوني، تنكر إيران مسؤوليتها عن هذه الضربات، وتلاقيها الإدارة الأميركية في منتصف الطريق. وفي حين تقتصر ردود الفعل الأميركية على ما يضمن لها حفظ مصالحها في الشرق الأوسط، تحمل إيران ملفاتها الجاهزة بانتظار دعوتها إلى طاولة المفاوضات، وكأنها أعدّت العدّة لهذه المرحلة حتى قبل قيام حركة «حماس» بالعملية، ولأهداف تتجاوز القضية الفلسطينية بحدّ ذاتها إلى ما هو أبعد.

والمفارقة أنّ تفاوت المصالح بين المحور الممانع وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لا يؤثّر على أهداف كلٍّ منهما، ففي حين يسعى نتنياهو إلى كسب الوقت، تبتلع إيران الضربات الموجّهة لها من خلال الاغتيالات، وتلعب على عامل الوقت، وتعزّز أوراقها غير عابئة بالمذابح والجرائم تجاه المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين.

وفي حين تنشط حركة الموفدين إلى المنطقة مع مغادرة وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، ليطلّ نظيره الفرنسي ستيفان سيجورني، ومن ثمّ المصري سامح شكري، كما ينشط كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون الأمن والطاقة آموس هوكشتاين لتفكيك عقد الملف اللبناني/ الإسرائيلي من تل أبيب، تبقى الحرب على غزّة وعلى جنوب لبنان وتبقى الاغتيالات ويبقى التراشق في الجبهات المستحدثة، بانتظار تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود لمصالح اللاعبين الكبار، وبزوغ فجر الرضى عن مشاريع الهندسة الجديدة للشرق الأوسط...

MISS 3