زانثي شارف

الرجال وحدهم لن يبنوا سلاماً دائماً في الشرق الأوسط

16 شباط 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

في ظل احتدام الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس» في قطاع غزة، يصعب أن نتوقّع أي نهاية وشيكة للصراع. لكن لم تكتفِ حركة متوسّعة من النساء الفلسطينيات والإسرائيليات بتخيّل شكلٍ من التعايش السلمي بين الطرفَين، بل ذهبن إلى حدّ المطالبة به.

قبل ثلاثة أيام فقط على وقوع هجوم «حماس» في 7 تشرين الأول 2023، احتشدت آلاف النساء من مجموعتَين لبناء السلام أمام «نُصب التسامح» في القدس لإطلاق مسيرة مشتركة. حملت إسرائيليات من حركة «نساء يصنعنَ السلام» أعلاماً زرقاء، بينما رفعت فلسطينيات من مبادرة «نساء الشمس» أعلاماً صفراء.

سافرت ناشطات من المجموعتَين إلى البحر الميت المعروف منذ العصور القديمة بخصائصه العلاجية ووضعنَ طاولة هناك. سحبت النساء من الطرفَين الكراسي كرمزٍ لاستئناف المفاوضات بكل حُسْن نية تمهيداً للتوصل إلى حل سياسي.

نشأت حركة «نساء يصنعنَ السلام» رداً على «عملية الجرف الصامد» التي تزامنت مع إقدام إسرائيل على اجتياح غزة في العام 2014، بعدما فشل وزير الخارجية الأميركي جون كيري في استئناف المفاوضات حول الوضع النهائي.

تكشف دراسات عدة أن المرأة تميل بطبيعتها إلى التعاون مع الآخرين، وتُركّز على المسائل الاجتماعية أكثر من الشؤون العسكرية، ولا تهاجم من يحمل رأياً مختلفاً عنها. من خلال مشاركة النساء في المفاوضات، قد يتراجع احتمال أن تختار الأطراف المعنيّة تحركات تحمل مجازفات كبرى أو تطلق اعتداءات ضد الأعداء. وفي أي فِرَق متنوعة، ترتكز قرارات النساء في المقام الأول على الوقائع أكثر من الفرضيات.

يكون الرجال من جهتهم أكثر ميلاً إلى القتال في الحروب، بينما تقع النشاطات المرتبطة بحماية تماسك العائلات والمجتمعات على عاتق النساء في معظم الحالات. حتى أن بعض الدراسات تستنتج أن المرأة هي الأكثر دعماً لاستئناف المفاوضات، وحماية المدنيين، وإنهاء أعمال العنف.

يريد عدد كبير من الفلسطينيين أن يحلّ السلام، لكن تقول م. ح. (عضو في مبادرة «نساء الشمس» فضّلت عدم الإفصاح عن اسمها الكامل حفاظاً على سلامتها) إن البعض يعتبر السلام مرادفاً لتطبيع العلاقات. يظن بعض الفلسطينيين أن التعامل مع الإسرائيليين أمر معيب لأنه يوحي بتقبّل طريقة تعامل إسرائيل مع الفلسطينيين وسياساتها تجاههم.

تضيف م. ح: «أظن أن التواصل والتعاون ضروريان، حتى لو اعتبر البعض هذا التحرك شكلاً من التطبيع. أنا ملتزمة بالعمل لبناء مستقبل أفضل لنا جميعاً».

يقف القانون الدولي إلى جانب أولئك النساء. يدعو القرار 1325 الصادر عن مجلس الأمن بالإجماع منذ أكثر من 23 سنة، كلّ الدول الأعضاء إلى تكثيف مشاركة النساء في جهود السلام والأمن، ويشدد على دور المرأة الأساسي في تجنب الحروب، وحماية المدنيين، والتفاوض على سلام دائم.

رغم تدهور سجل إسرائيل في مجال حقوق المرأة ودورها في صناعة القرار، تشارك النساء في الحرب على شكل شخصيات سياسية أو أعضاء في الجيش أو المجتمع المدني. أحرزت المرأة في عالم السياسة تقدماً بارزاً على مستوى المساواة بين الجنسَين، مع أن الحكومة التي نشأت منذ سنة تقتصر على خمس نساء من أصل 32 وزيراً. أُقيلت واحدة من أولئك الوزيرات بعد إلغاء وزارة تمكين المرأة في الفترة الأخيرة.

لكن يبدو الواقع الذي تعيشه المرأة في غزة أكثر تعقيداً بكثير على مستوى استلام المناصب القيادية. لا تشارك المرأة بشكل عام في أي نشاطات سياسية عامة ولا تشغل مناصب حكومية، مع أن حركة «حماس» عيّنت إسراء المدلل (23 عاماً) كأول متحدثة باسمها في تشرين الثاني. هي صرّحت لصحيفة «غارديان» بأنها لا تنتمي إلى «حماس» أو أي حزب سياسي آخر.



أعضاء منظمة «نساء يصنعن السلام» في القدس | 27 تموز 2017


في بداية الصراع، كانت حركة «حماس» تقتصر على امرأة واحدة: إنها جميلة الشنطي (68 عاماً) التي كانت جزءاً من مكتب الحركة السياسي المؤلف من 15 عضواً. شاركت الشنطي أيضاً في تأسيس الحركة النسائية في «حماس»، لكنها قُتِلت بضربة إسرائيلية جوية في 19 تشرين الأول.

اعترفت القيادة السياسية الفلسطينية بأهمية المرأة خلال الانتفاضة التي مهّدت لإطلاق المفاوضات مع إسرائيل عبر ضم ثلاث نساء إلى الوفد الذي شارك في محادثات السلام الخاصة بالشرق الأوسط (سعاد العامري، وظاهرية كمال، وحنان عشراوي). بلغت تلك المحادثات ذروتها في مؤتمر مدريد في تشرين الأول 1991.

لكن عاد القادة المنفيون في «منظمة التحرير الفلسطينية» وتجاهلوا إطار العمل الذي طرحه مؤتمر مدريد وبدأوا مفاوضات سرية مع إسرائيل أسفرت عن اتفاق أوسلو الذي يُركّز على الوضع الأمني وإنشاء السلطة الفلسطينية. وبسبب أداء هؤلاء المسؤولين والاحتلال الإسرائيلي وفشل اتفاق أوسلو، ضعفت القيم الديموقراطية وحقوق المرأة.

ناقشت إسرائيل والولايات المتحدة دوراً محتملاً للسلطة الفلسطينية في غزة بعد العملية العسكرية. تشمل تلك السلطة ثلاث وزيرات، بما في ذلك وزيرة شؤون المرأة، مع أن النساء يتخبطنَ حتى الآن لإيجاد فرص متساوية والتحرر من العنف.

تقول ناشطة من الضفة الغربية امتنعت عن ذكر اسمها لأسباب أمنية: «غالباً ما تمتنع المرأة عن الانخراط في معترك السياسة. هي تشعر بالرعب من فكرة المشاركة في نشاطات سياسية لأنها قد تتعرّض للاعتقال أو أي نوع من أعمال العنف. وتزداد ظروف النساء سوءاً حين يكون التمويل ضئيلاً».

تقول سيرينا عواد (24 عاماً)، عاملة في منظمة غير ربحية في غزة تقيم راهناً في رفح، إن نساء غزة يتولّيْنَ إدارة جوانب عدة من الاستجابة الإنسانية. تعمل أولئك النساء لصالح الأمم المتحدة أو منظمات صحية، وثقافية، ورياضية، وقانونية، وجماعات تُعنى بحماية الأطفال وحقوق الإنسان.

تضيف عواد: «أنا عاصرتُ 6 عمليات عدوانية، وكنت أنتظر الموت في كل مرة. أريد أن يعرف العالم أن النساء في غزة يُشْبِهْنَ جميع النساء الأخريات: نحن ندرس، ونذهب إلى العمل، ونؤسس العائلات، لكننا نعاني».

على صعيد آخر، تطالب نساء إسرائيليات وفلسطينيات في المجموعات الساعية إلى بناء السلام بدعم دولي إضافي. من المعروف أن المنظمات النسائية لا تتلقى التمويل الكافي في أفضل الظروف، إذ يُخصَّص 0.4 في المئة فقط من التمويل العالمي المرتبط بدعم الجنسَين لمنظمات حقوق المرأة مباشرةً، وفق تقديرات «رابطة حقوق السيدات في التنمية».

في زمن الأزمات، تصبح حقوق المرأة مسألة مهمّشة في معظم الأوقات. تقتصر ميزانية مبادرة «نساء الشمس» للعام 2024 على مئة ألف دولار مثلاً، وتبلغ ميزانية حركة «نساء يصنعنَ السلام» حوالى مليون دولار، وفق مصادر المنظمتَين.

تزيد فاعلية الجماعات النسائية على الأرجح خلال المفاوضات وفي مراحل تنفيذ برامج التعافي حين تحصل على تمويل خارجي. خلال عملية السلام بين السودان وجنوب السودان مثلاً، ارتفع عدد النساء المبعوثات من جنوب السودان، لكن اضطر جزء منهنَّ لوقف مشاركته لكسب المال مجدّداً.

بالإضافة إلى التمويل، يُفترض أن تقوم البلدان الديموقراطية بواجبها عبر الإصرار على مشاركة النساء في المفاوضات. تظن م. ح. وناشطات أخريات من مبادرة «نساء الشمس» أن الولايات المتحدة والأمم المتحدة يجب أن تكثّفا نشاطاتهما لدعم دور المرأة كمفاوِضة وخبيرة ومسؤولة سياسية.

تضيف م. ح: «يمكن تحقيق كل شيء عبر قوة الإرادة. وإذا قالت الولايات المتحدة إن المرأة يجب أن تشارك في المفاوضات، يمكن أن يتحقق هذا الهدف».

أصبحت المحادثات التي دعت إليها قطر، والولايات المتحدة، ومصر، لإنهاء الصراع بين «حماس» وإسرائيل قيد التنفيذ. سبق وطرحت هذه البلدان وأطراف إقليمية مؤثرة أخرى مثل الأردن، وإسرائيل، والسلطة الفلسطينية، خطط عمل وطنية تعترف بتأثير الحرب على المرأة وبدورها الأساسي في نشر السلام، وقد بلغت هذه الجهود ذروتها حين وضعت 107 بلدان حول العالم خطط عمل وطنية لتمكين النساء.

مع ذلك، لا تشمل التغطيات الإعلامية أدلة وافية حول الجهود التي تبذلها تلك الدول لدعم مشاركة المرأة في الصراع المستمر بين إسرائيل و»حماس».

تسعى وزارة الخارجية الأميركية من جهتها إلى الاستفادة من خبرة النساء في المجتمع المدني والحكومة في أي عملية على صلة بالصراع الراهن في غزة.

إذا كانت الإرادة السياسية التي تدعم هذه المشاركة موجودة، يملك الإسرائيليون والفلسطينيون معاً لائحة قوية من النساء الناشطات ويمكن اختيار أسماء منها للمشاركة في المفاوضات والنقاشات الرسمية وغير الرسمية. طرح «المشروع 1325»، الذي يديره أعضاء من جماعة «محاميات من أجل العدالة الاجتماعية»، لائحة متنوعة أمام السفارة الأميركية وسفارات وهيئات دولية أخرى، وهي تشمل 12 إمرأة إسرائيلية وفلسطينية مؤهّلة للمشاركة في المفاوضات.

في إشارة إلى المفاوضات والمشاورات غير الرسمية، تقول مديرة «مشروع 1325»، نيتا لوفي: «ستشارك إمرأة واحدة على الأقل في الجهود المقبلة، وقد اقترحتها علينا هيئة دولية».

بالعودة إلى غزة، أصبح مذاق المياه المتجمّدة مشابهاً للسموم، ولا تكف عواد العاملة في منظمة غير ربحية هناك عن فقدان وزنها. هي سألت حوالى 12 إمرأة من النساء القياديات في غزة عن رأيهنَّ بما يُفترض أن يحصل لإنهاء الحرب وضمان مشاركة النساء في المفاوضات.

لكن لم يتمكن أحد من إعطائها أي جواب، إذ تنشغل النساء بتلبية الحاجات الإنسانية في ظل انقطاع الاتصالات وخدمات الإنترنت.

أرسلت عواد رسالة إلى صحيفة «فورين بوليسي» عبر تطبيق «واتساب» الذي لا يعمل إلّا مرّة واحدة كل أربعة أيام وذكرت فيها: «لم يتغير شيء، لكن ما الذي يمكننا فعله؟ كل ما نستطيع القيام به هو الانتظار والصلاة كي ينتهي هذا الصراع».

في النهاية، تقول الدكتورة دلال عريقات، أستاذة مساعِدة في الجامعة العربية الأميركية في الضفة الغربية: «يجب أن يفكّر أحد بأن اتفاقاً أكثر استراتيجية قد يصمد عبر تسليم المرأة المسؤوليات وإشراكها في مختلف النقاشات».

MISS 3