شربل داغر

بين الفن والاستثمار

19 شباط 2024

01 : 58

سيدة أعمال عربية اشترت، في مزاد علني، قميصاً رياضياً موقعاً من لاعب كرة قدم بـ 150 ألف دولار. هذا خبر متأخر، سبقتْه (وستتبعُه من دون شك) أخبار أخرى تفيد عن استئجار مهارات لاعبي كرة قدم بمئات الملايين من الدولارات، ولو كانوا في عمر متقدم بالنسبة للمستوى العالي المطلوب من هؤلاء الرياضيين المهرة.

أندية عربية باتت تنافس الأندية الأميركية في هذا التسارع على الاستثمار الرياضي. وهذا يعني انهم يشترون «نجوماً» بالمعنى الدعائي أكثر من كونهم «نجوماً» بالمعنى الرياضي المحض.

هذا طبيعي، وسيتعاظم من دون شك في السنوات المقبلة، عملاً بما قرأت ذات يوم وهو أن من المال الزائد والفائض ما لا يقوى ولا يحتمل... الركود.

هذا ما يقوله عالم المال ونصائح الاستثمار. وهذا ما يعايشه التنافس على الندرة، أيا كانت قيمته،

أكان المقصود الألماس أو الذهب في أيامنا هذه، أو المواد «النادرة» في القرن السابع عشر، أو أسنان الفِيَلة في القرن الثامن عشر، أو اللوحة ابتداء من القرن التاسع عشر.

هذا ما كانوا يعلقونه فوق جدران صالوناتهم، سواء أكان رأس حيوان مفترس، أو جلوداً مبسوطة مثل عمل للعرض، أو لوحة زيتية وغيرها.

هذه ظواهر متشابهة، لكنها مختلفة. منها ما يعني التباهي أو التفاخر، فيستقبلك في مدخل «دار» أحدهم أسد مقيد بطبيعة الحال.

ومنها أن بعضهم يرغب في الاستثمار، في شراء أعمال، بما فيها ثياب رئيس يوم إعدامه.

ومنها أن بعضهم «يهوى» أعمال الفن لدرجة البحث عنها، والتباري في اقتنائها...

لعالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو كتاب شهير يتحدث فيه عن «حب الفن» ويكشف فيه، كما في كتب قبلها، عن أساليب الذوق وخياراتها، وكيف تتجلى في التنافس الاجتماعي، ما يسميه: طلبُ التميز.

هذا ما يصيب نخباً متعددة في مدن عربية مختلفة، وبات يشمل خصوصاً اقتناء الفن، وما يصحبه من دور عرض ومزادات وبناء متاحف وغيرها.

هذه نقلة كبيرة، حركَها في العقود الثلاثة الأخيرة تنامي الذائقة والثقافة، من جهة، وتطلعات المال في الاستثمار والمكانة، من جهة ثانية.

هذه النقلة قد تصيب الدهشة عند بعضهم، الذين عرفوا عن هذه البلدان انها تتجنب فنون الصورة بين مسرحية وسينما ولوحة وغيرها.

هذا الحراك الواسع يتسع ويتأكد، إلا أنه يبقى استثماري الطابع، وطالباً للدعاية والمكانة، إن لم يستند كذلك إلى: ثقافة المعنى، كما أسميها.

فالفن، ولا سيما الحديث منه، لا يترسخ من دون ثقافة تحيط به. والاستثمار في الفن لا يترسخ بدوره من دون ثقافة حاملة لمعناه، وإلا سيكون الفن مثل مقتنيات مادية شبيهة بغيرها، وتالفة في عين الزمن.

بل أشد من هذا: أن تكون مواد صالحة للعرض والبيع والنقل من هنا إلى هناك، من دون أن يكون للفن فيها علاقة بمن يعايشه ويعيش إلى جانبه ويبقى معه في قربه أو بعده.

MISS 3