كيث جونسون

القراصنة وراء تنشيط القوات البحرية الهندية

21 شباط 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

مدمّرة الصواريخ INS Imphal قبل دخولها الخدمة في البحرية الهندية | الهند، 22 كانون الأول 2023

بعد تجدّد نشاطات القراصنة قبالة الساحل الشرقي لأفريقيا بطريقة دراماتيكية وغير متوقعة، بدأت القوات البحرية الهندية تضطلع بدور أمني بارز في واحد من أهم الممرات المائية في العالم، فقد أرسلت أكبر عدد من العناصر إلى المياه الواقعة قبالة الصومال في آخر شهرَين. تكشف هذه الصحوة البحرية من الجانب الهندي مسائل كثيرة عن طموحات البلد بالتحول إلى قوة عظمى، وهي توجّه رسالة إلى بكين حول استعداد الهند لخوض كلّ التحديات بهدف السيطرة على منطقة المحيط الهندي عموماً.



توجّه القراصنة التابعون لحركة «الشباب» الصومالية فجأةً نحو أعالي البحار بعد 10 سنوات تقريباً على توقّف عمليات خطف السفن. تعرّضت حوالى 20 سفينة للهجوم، أو الخطف، أو المضايقات، في مياه خليج عدن منذ أواخر شهر تشرين الثاني. كانت أبرز هيئات الشحن قد أخرجت المنطقة من فئة المناطق الأكثر عرضة للمخاطر منذ سنة واحدة فقط.

يقول أبهيجيت سينغ، ضابط بحري سابق والرئيس الحالي لمبادرة السياسة البحرية في «مؤسسة أبحاث المراقبين» في نيودلهي: «يُعتبر توسّع نشاطات القراصنة أشبه بأحجية غامضة، لا بالنسبة إلى الهند فحسب، بل جميع الدول والقوات البحرية حول العالم».

لكن لا يُسبب القراصنة الصوماليون وحدهم مشكلات أمنية في تلك المساحات المائية، فقد بدأ المتمرّدون الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن بمهاجمة السفن التجارية في مياه البحر الأحمر الضيقة خلال المرحلة نفسها تقريباً، كجزءٍ من حملة ظاهرية ضد إسرائيل، ما أدى إلى انتشار الاضطرابات على نطاق واسع وتحويل مسار السفن في حالات كثيرة. في غضون ذلك، تضاعفت تكاليف حاويات الشحن منذ بداية تلك الحملة المزدوجة.

وبما أن السفن البحرية الأميركية والبريطانية تحاول التعامل مع تهديدات الحوثيين في البحر الأحمر، من خلال حماية السفن التجارية العابرة واستهداف مواقع الحوثيين براً، ظهر فراغ أمني في خليج عدن، فسارع القراصنة إلى ملئه بكل سرور أو حاولوا القيام بذلك على الأقل. رداً على ما يحصل، كثّفت القوات البحرية الهندية عملية نشر السفن السطحية الكبيرة والطائرات لقمع القراصنة ودعم الأميركيين والبريطانيين المنشغلين بأزمات أخرى. أرسلت الهند المزيد من السفن، فزادت عددها من سفينتَين إلى 12 سفينة، وركّزت كلّ نشاطاتها على المساحة الهشة من شرق المحيط الهندي.

تعليقاً على الموضوع، يقول يوغيش جوشي، خبير في شؤون منطقة المحيطَين الهندي والهادئ في جامعة سنغافورة الوطنية: «إذا نظرنا إلى العمليات التي تُركّز عليها القوى الغربية، سنلاحظ أن معظمها يقع في البحر الأحمر. يستلزم الوضع أن تتدخل قوى بحرية مثل الهند وتضطلع بدور الشرطة، وقد تعكس الجهود التي بذلتها الهند في هذا المجال أكبر انتشار عسكري للقوات الهندية على الإطلاق».

يؤكد هذا الاستعراض البحري الهندي على تحوّل البلد إلى عنصر أساسي من اللعبة، بعدما اعتُبِر لفترة طويلة شريكاً صغيراً في المشهد الأمني المتبدل في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، وقد لا تقتصر تداعيات هذه المستجدات على الأزمات قصيرة الأمد، مثل زيادة نشاطات القراصنة وحماية المشاعات العالمية فحسب، بل تؤثر أيضاً على مستقبل ميزان القوى في المحيط الهندي بعد سنوات من جهود الصين الرامية إلى تعزيز وجودها الديبلوماسي والعسكري في المنطقة.

يقول جوشي: «إنه خليط من ثلاثة عوامل: السياق، والقدرات، والالتزامات». نادراً ما كان السياق الدولي إيجابياً بالنسبة إلى الهند بقدر ما هو عليه اليوم، إذ تتطلع أعداد إضافية من دول الشرق الأوسط والولايات المتحدة إلى نيودلهي لعقد شراكات معها. كذلك، تطورت قدرات الهند، لا سيما ثقلها العسكري والبحري، بدرجة فائقة خلال العقود الأخيرة. أما التزامات حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي السياسية، فهي تُجدد الحوافز لتحقيق الطموحات التي يحملها أميرالات الهند منذ عقود.

يضيف جوشي: «يبدو أن وجهة ووضوح الأهداف التي يُحددها أصحاب أعلى المراتب هي المسؤولة عن هذا التوسع المستجد في حضور الهند الأمني في جميع أنحاء المحيط الهندي».

من حق الهند طبعاً أن تُركّز على توسّع نشاطات القراصنة لأنها تجنّبت سابقاً التورط في أي مشكلات على صلة بالحوثيين والبحر الأحمر، مثلما رفضت الصين الاضطلاع بأي دور لحماية عمليات الشحن في ظل استمرار اعتداءات الحوثيين، علماً أن الصينيين كانوا قد نشروا قوة صغيرة لمكافحة القراصنة قبالة الصومال طوال سنوات. على غرار الصين، تتردد الهند في تهميش أي دول تشكّل مصادر أساسية للطاقة في الشرق الأوسط. لكن تبقى نيودلهي مُلزَمة بأداء دور حيوي في هذا المجال.

يوضح سينغ: «تضررت عمليات تجارية كثيرة بسبب اعتداءات القراصنة. يسود شعور عام بأن الولايات المتحدة وأطرافاً أخرى باتت منشغلة بـ»تحالف حارس الازدهار» في البحر الأحمر، لذا يجب أن نحسّن الظروف القائمة هنا في المحيط الهندي».

لكن لم يتّضح بعد مستوى التعاون، إذا وُجِد، بين القراصنة المدعومين من حركة «الشباب» والمتمرّدين الحوثيين. يظن معظم الخبراء أن اعتداءات القراصنة هي شكل بسيط من استغلال الوضع فيما تنشغل القوات البحرية الغربية بإخماد الأزمات في أماكن أخرى. هاجم القراصنة أيضاً عدداً من السفن التي ترفع أعلاماً إيرانية، ما يشير إلى حملة غير منسّقة بالكامل. لكن يبقى التنسيق بين الطرفَين ممكناً برأي سينغ، نظراً إلى تشابه التكتيكات والدوافع بين الجماعتَين وتعاطفهما المشترك مع حركة «حماس» وأهدافها.

يضيف سينغ: «إذا نظرنا إلى تكتيكات القراصنة والأساليب التي يعتمدها الحوثيون، باستثناء الطائرات المسيّرة والصواريخ، سنلاحظ أن الجماعتَين تحملان قواسم مشتركة على مستوى الرغبة والدوافع والوقاحة، فهما تريدان إعاقة العمليات الطبيعية قبالة سواحلهما».

بعيداً عن المعركة القائمة ضد القراصنة المعاصرين، تكمن أهمية الانتشار الهندي البحري في تماشيه مع المفهوم الذي تقوده الولايات المتحدة عن طبيعة الأمن في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ وجهود الصين لتحدّي هذا الوضع.

طوال سنوات، عمدت الصين إلى توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي، وبدرجة أقل نفوذها العسكري، في أنحاء المحيط الهندي، وقد أثار هذا الوضع قلق نيودلهي. أبرمت بكين صفقات مع المرافئ في سريلانكا وباكستان وكمبوديا، وأرسلت غواصات لزيارة الموانئ والانضمام إلى المعركة ضد القراصنة، وأنشأت قاعدة لها في جيبوتي، ووضعت خططاً على نطاق أوسع، وكثّفت التزاماتها الديبلوماسية مع كلّ الدول الجزرية في المحيط الهندي، تزامناً مع إرسال سفن سطحية متلاحقة لنشرها على المدى الطويل في محيط الهند. كان رد الهند البحري الأولي ديبلوماسياً، وقد شمل تحولاً عسكرياً في اتجاه شرق المحيط الهندي، مع التركيز بشكلٍ خاص على جزر أندامان. لكن أصبح تركيز الهند على قواتها البحرية في الوقت الراهن شاملاً وأوسع نطاقاً.

يقول سينغ: «أظن أن الصينيين يشعرون ببعض القلق من الهند التي كانت تنشط سابقاً في شرق المحيط الهندي لكنها تتواجد راهناً في غربه وتنشر هناك أعداداً كبيرة من القوات العسكرية، فقد زاد عدد السفن الرئيسية التي تنشرها بخمسة أضعاف. من وجهة نظر الصينيين، يبدو هذا الوضع غير مألوف بدرجة معيّنة. هم يظنون أننا قد نستعمل هذا الوضع كعذرٍ لفرض النفوذ، أو حتى القوة المطلقة، في المنطقة. تتجاهل الصين طبعاً مساهمات الهند البارزة. من المفاجئ أن تلتزم الصين الصمت رغم توسّع نشاطات القراصنة واعتداءات الحوثيين».

ستستفيد واشنطن حتماً إذا أصبح انتشار القوات البحرية الهندية مصدر قلق في بكين. تقيم الولايات المتحدة والهند علاقة متناقضة منذ عقود، بعدما تقرّبت الهند من الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة وتبنّت مقاربة عدم الانحياز في سياستها الخارجية. لكن ارتفع مستوى التعاون الدفاعي بين الطرفين في السنوات الأخيرة، لا سيما بين قواتهما البحرية، وحصل ذلك بفضل صفقات على صلة بالخدمات اللوجستية والتكنولوجيا وتكثيف التدريبات المشتركة. يُعتبر توسّع القوات البحرية الهندية في المنطقة حديثاً، مثالاً على تقاسم الأعباء الذي تدعو إليه الولايات المتحدة منذ فترة طويلة مع دول آسيا وأوروبا.

في النهاية، يقول جوشي: «قد يكون العنصر البحري في العلاقة العسكرية بين الولايات المتحدة والهند الأكثر نضجاً وتطوراً في الوقت الراهن. هذا الوضع يتماشى على أكمل وجه مع الاستراتيجية الأميركية الكبرى في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ».

MISS 3