عماد موسى

مهرجانات بعلبك الدولية ختامها...عُمَر

5 آب 2019

09 : 09

بدا محيط قلعة بعلبك مساء السبت مثل خط جبهة متقدم. جيبات عسكرية، مصفحات، جيش، درك، مخابرات، شرطة بلدية، أمن دولة، أمن خاص. فاق عديد القوى الأمنية المنتشرة خارج القلعة وداخلها عدد من حضر أمسية عمر البشير، وهي الأخيرة في برنامج هذا العام. وكان لافتاً وفرة الأجانب بين الحضور، وهذا الأمر يفرح قلب وزير السياحة أواديس كيدانيان وقلوب اللبنانيين.

الجمعة 2 آب، كان "عبق الأندلس" داخل معبد باخوس المدهش بعظمته مع جاهدة وهبه في برنامج تزاوجت فيه مناخات الفلامنكو والموشحات، حضرت في صوتها نصوص الألماني غونتر غراس الحائز "نوبل للآداب " العام 1999 والولادة بنت المستكفي، وابن زيدون وابن غرناطة لوركا وميشال طراد...غنت للعندليب (أيضاً وأيضاً) ولسيد درويش وغيرهم من عظماء الموسيقى والشعر في لبنان ومصر واسبانيا وألمانيا وبلاد لوركا، ورافقها عود عمر بشير وموسيقيّيه والمغني الأسباني ملكيور كامبوس والراقصة لينا لينارس....

وقد نفدت بطاقات وهبه، قبل أسابيع من موعد حفلها وهذه دلالة إيجابية تصب في خانة الفن الراقي، وخيارات المهرجانات الصائبة التي تعمل على رفع الذائقة الفنية والإضاءة على قيم وقمم.

كان عمر بشير ضمن سهرة جاهدة وهبه، التي كانت مسك ختام برنامجه ليلة السبت في المكان الساحر نفسه. ولسان حالهما "كما تراني يا عمر أراكَ."

استهل العازف العراقي العالمي وفرقته أمسية "عود حول العالم" بمقطوعة "كارافان" من آخر ألبوماته " العود الراقص" فسافر بمستمعيه إلى زمن القوافل، وانتقل بهم إلى مشهدية متخيلة. استحضر عوده الرنان مشهداً كامل العناصر، ثم انتقل في "جولته" إلى قصر الحمراء الأندلسي بأداء أقل ما يُقال فيه مبهر. ثم حطّ بشير رحاله في بلده مقدماً مقطوعة "طفلتي الحزينة" التي وضعها بشير العام 2010 وهي مهداة إلى طفلة عراقية فقدت أمها الشيعية واباها السني وعاشت وسط القمامة. القصة موجعة. أوتار العود، دون الوتريات وباقي آلات الفرقة، تصيبك بالدهشة.

فرقة عمر بشير تضم عازفين من هنغاريا وسلطنة عمان ولبنان والعراق، برعوا فقط في الثنائيات (بخاصة بين عازفي الإيقاع) والسولويات، وبدوا تتمة لا من صلب السهرة في عدد من المقطوعات. وأجمل الثنائيات الحوار بين عود بشير وغيتار المغني مليكور كامبوس، "كورد" و"حجاز" وفلامنكو. غناء موجع في حدته وتعبيراته، اوتار تحاكي أوتاراً، وتكتمل الصورة على مسرح "باخوس" مع راقصة الفلامنغو ليا لينارس.

تفاعل الجمهور مع كل وصلة. وصدحت الأصوات مع موسيقى " فوق إلنا خلّ" (وليس "فوق النخل" كما هو شائع) و"البنت الشلبية" و"زوروني كل سنة مرة". ضمّن عمر بشير برنامج آخر أماسي بعلبك معزوفات تحمل تواقيع أبيه منير وعمه جميل، فتنقل بين المقامات العراقية وطقوس الفلامنكو والرومبا، وبين معزوفات خاصة اكتسبت شهرة عالمية. خصص بشير الجزء الأخير من السهرة لجاهدة وهبه. لا تحتاج إلى وقت كي تسلطن. تدخل إلى المسرح "مسلطنة" تغني جلوساً. صوت قوي، أداء خاص فيه بعض من الإستعراض، متى بالغت في الإرتجال. غنت وهبه موشحات، وغنت مع مليكور الصوت الصادح في أرجاء المعبد، وأجادت كعادتها في أداء نصوص مترجمة كـ "لا تمضي الى الغابة" لغونتر غراس،(تعريب أمل الجبوري) الحائز نوبل للآداب العام 1999، ومرة جديدة تطل الراقصة ليا ليناريس، ككاهنة في معبد روماني، أو كراسمة بجسدها تاريخاً من الشجن.

خلطة سحرية جمعت بين الغناء والرقص وبين عزف عود بلا حدود. وقبيل الختام تسنّى للجمهور سماع "سولويات" قصيرة أظهرت تميّز هذا الإئتلاف الموسيقي.

انتهى حفل عمر بشير، وقبل إسدال الستارة على موسم ناجح، قدّم الفنان العراقي جائزة "منير بشير للإبداع الفني" لجاهدة وهبه وذلك عن "مجمل إنجازاتها وأعمالها الموسيقية المتفردة إبداعاً ورقياً ومسيرتها الفنية الأصيلة". وجاء التكريم من مؤسسة "نهاوند" للاتصال الحضاري بين الشرق والغرب، ومقرها في هولندا، كما ذكر عمر بشير. وقد منحت هذه الجائزة العريقة سابقاً لسيدة المقام العراقي فريدة محمد علي. ومن جهته تسلم بشير من رئيسة المهرجان بوسترين لمنير بشير، يؤرخان مشاركته في فعاليات مهرجانات بعلبك في العامين 1972 و 1974.

خرج الجمهور في نهاية الحفل ممتلئاً بفائض من السلام والحرية والمتعة، وهناك في الباحة الخارجية، معجبون يلتقطون صوراً مع رجل أعرفه من خلال المداخلات العنيفة على بعض الفضائيات. يبدو بشعره المصبوغ نجماً رافضاً لتقادم السنين. إنه النجم الإعلامي عبد الباري عطوان...


MISS 3