رامي الرّيس

من أوكرانيا إلى غزة!

وضع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون معادلة قاسية وغير واقعيّة في ختام المؤتمر الدولي لدعم أوكرانيا، فربط أمن أوروبا واستقرارها بهزيمة روسيا. هذه المعادلة هي بمثابة مجازفة سياسيّة وعسكريّة كبرى من شأنها أن تعرّض الوضع الدولي لمزيد من الاهتزاز، لا سيّما مع استمرار الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزة من دون أي رادع سياسي أو قانوني أو أخلاقي، ما حوّل منطقة الشرق الأوسط إلى بؤرة شديدة التوتر لن توفر بشظاياها العالم بأكمله.

ليست قراءة الموقف الفرنسي منعزلة عن الاعتبارات التي يمكن سوقها في إطار النقاش عن النهايات المحتملة للحرب الروسيّة - الأوكرانيّة التي تبدو بعيدة المدى، خصوصاً في ظل الاستفادة القصوى التي تحققها مصانع الأسلحة العابرة للقارات والتي تقف خلفها حكومات ومؤسسات من مصلحتها تأجيج النزاعات المسلحة حول العالم، للانغماس في المزيد من التصنيع للأسلحة الثقيلة والتكنولوجيات العسكريّة المتطورة التي سلكت صناعتها منعطفات جديدة مع تطوير المسيّرات التي تُستعمل في حربي غزة وأوكرانيا بكثافة و»فاعليّة».

وعلى الرغم من أنه ليس هناك من قرار أوروبي موحّد أو جامع، لم يستبعد الرئيس الفرنسي إرسال قوات غربيّة للمشاركة في الحرب لتحقيق «هزيمة روسيا»، وهذا يعني- في ما يعنيه- إطالة أمد الحرب والاستبعاد التام لأي حل ديبلوماسي أو سياسي للأزمة، بما يوفق بين الاعتبارات السياديّة الأوكرانيّة وبين الهواجس الأمنيّة الروسيّة التي تصاعدت مع إصرار واشنطن والغرب على توسيع حلف شمالي الأطلسي (الناتو)، ما يعتبر بمثابة تهديد مباشر للأمن القومي الروسي.

السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه: ألم يكن متاحاً محاولة احتواء الأزمة مع موسكو بدل استفزازها وفرض العقوبات الاقتصاديّة عليها ومحاربتها؟ طبعاً، لم يعد باستطاعة الغرب، بعد الحرب الإسرائيليّة على غزة، الإدعاء بأنّ الاعتبار الوحيد هو حقوق الشعب الأوكراني ورفض التعدي على سيادته وعدم القبول الاحتلال الروسي لأراضي أوكرانيا، لأنه يغض النظر عن الاحتلال الإسرائيلي وممارساته ضد الشعب الفلسطيني منذ أكثر من 75 عاماً.

السلم العالمي بات مهدداً، ليس فقط بسبب الحرب الروسيّة - الأوكرانيّة التي دخلت عامها الثالث، بل بشكل رئيسي بسبب التوترات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والتي تصاعدت من كل حدب وصوب، بما ينذر بخروجها تماماً عن السيطرة وتدحرجها في اتجاه حرب شاملة.

لعل السبب الرئيسي الذي حال دون اندلاع الحرب الشاملة حتى اللحظة هو عدم رغبة كل من واشنطن وطهران بحصولها بما لهاتين العاصمتين من تأثير ونفوذ واسع في المنطقة ولو من جهتين متقابلتين، ولأنهما يبحثان عن وسائل لتهدئة الجبهات وعدم إشعالها تماماً ولو كانت التصاريح السياسيّة والإعلاميّة لا تؤشر إلى ذلك بشكل مباشر.

ولكن، مع كل ذلك، من الواضح أنّ واشنطن لا تمارس الضغط السياسي الكافي لوقف الحرب على غزة، فباستطاعة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التلويح بوقف أو أقله تجميد المساعدات العسكريّة الهائلة التي تقدّمها لإسرائيل والتي بلغت مستويات غير مسبوقة منذ إعلان الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزة، إذ إن تلك الخطوة قد تكون هي الوحيدة الكفيلة بردع إسرائيل عن مواصلة حربها المفتوحة ضد الشعب الفلسطيني وليس ضد حركة «حماس» كما أصبح واضحاً ومعروفاً.

أما إعلان بايدن عن موافقة إسرائيل على عدم القيام بعمليّات عسكريّة خلال شهر رمضان المبارك فهو إعلان قاصر عن هدنة أو وقف إطلاق النار، وسوف تلتف إسرائيل حوله وفق سياساتها وأساليبها المعتادة دون أي مراعاة للقوانين الدوليّة أو لأي اعتبارات سياسيّة.

سياسة الكيل بمكيالين كانت فاضحة من قبل الغرب بين غزة وأوكرانيا، وبعض المواقف والسياسات كانت بمثابة عار على الإنسانيّة.