يبدو أن كبار السن في روما واليونان القديمة لم يختبروا مشاكل حادة في الذاكرة بقدر نظرائهم اليوم.
راجع باحثون من كاليفورنيا مجموعة من النصوص التقليدية التي كُتِبت عن صحة البشر بين القرن الثامن قبل الميلاد والقرن الثالث بعد الميلاد، فاكتشفوا مراجع قليلة على نحو مفاجئ حول الاختلالات المعرفية لدى كبار السن.
لا يتعلق السبب على ما يبدو بتراجع متوسط أعمار الرومان واليونانيين. كان العمر المتوقع قبل الحقبة الحديثة يساوي نصف المتوسط الراهن تقريباً. وفق بعض التقديرات، بلغ متوسط أعمار الناس عند وفاتهم في اليونان القديمة حوالى سبعين سنة، ما يعني أن نصف المجتمع كان يعيش لفترة أطول. يقال أصلاً إن عالِم الفيزياء و «أب الطب» اليوناني الشهير أبقراط مات وهو في الثمانينات أو التسعينات من عمره.
من المعروف أن العمر هو أبرز عامل خطر فردي للإصابة بالخرف اليوم، ويصاب ثلث الناس بعد عمر الخامسة والثمانين بهذا المرض في العصر الحديث. كذلك، بدأت التشخيصات تتضاعف كل خمس سنوات بعد عمر الخامسة والستين.
في النصوص اليونانية التي تعود إلى القرن الرابع أو الثالث قبل الميلاد، كان التقدم في السن يرتبط بأعراض التراجع الجسدي مثل الصمم، والدوار، والأرق، وفقدان البصر، والاضطرابات الهضمية. لكن استناداً إلى المراجع المتاحة (تبقى محدودة)، لم تكن اضطرابات الذاكرة الحادة تطرح مشكلة بارزة.
خلال القرن الثاني بعد الميلاد، كتب الطبيب الشخصي للإمبراطور الروماني، وهو رجل يوناني اسمه غالين، أن الناجين من وباءين عجزوا عن تذكّر هويتهم أو التعرف على أصدقائهم.
بحلول تلك الحقبة، أصبح تلوّث الهواء منتشراً في الإمبراطورية الرومانية، وارتفع مستوى التعرّض للرصاص بسبب استعمال أدوات الطبخ ونظام السباكة الشائع في تلك الحضارة.
كانت هذه العوامل لتعرّض الشعب لمخاطر الألزهايمر، فتُسبب أعراضاً غير مألوفة ونادرة بالنسبة إلى تلك الحقبة مع التقدم في السن. لكن من دون إيجاد بيانات إضافية عن هذا الموضوع، لا يمكن تحديد سبب ظهور أعراض الخرف الحادة في سجلات الإمبراطورية الرومانية أكثر من سجلات اليونان القديمة.
وبما أن جزءاً من المجتمعات المعاصرة يسجّل معدلات خرف أقل من غيره اليوم، يمكن تصديق النظرية القائلة إن العوامل البيئية تؤثر على التراجع المعرفي أكثر من الشيخوخة.
يسجّل شعبا «تسيماني» و»موسيتين» في منطقة الأمازون البوليفي حالات خرف أقل من الولايات المتحدة أو أوروبا بنسبة 80%. يبدو أن أدمغة الناس هناك لا تشيخ مثل سكان بقية دول العالم، ولا يرتكز أسلوب حياتهم على التصنيع أو التحضر بل يستند إلى وسائل الزراعة التقليدية وجمع المؤن.
يدعو العلماء اليوم إلى تكثيف التحقيقات بشأن تاريخ الخرف في الأزمنة القديمة وعصور ما قبل الحداثة لتحديد الأسباب والفترات التي شهدت ضعف الذاكرة الحاد للمرة الأولى وسط كبار السن.