جاد حداد

The Perfect Family... كوميديا خالية من اللحظات المُضحكة

13 آذار 2024

02 : 03

في الفيلم الإسباني The Perfect Family (العائلة المثالية)، يقع ابن عائلة مثقفة من الطبقة العليا في حب مدرّبة رياضية صاخبة ومثيرة، فتضطر والدته المتحفظة «لوسيا» للتعامل مع عائلة زوجة ابنها المستقبلية التي تختلف عنها في كل شيء أثناء التخطيط للزفاف في بلدة عائلتها الرجعية.

قد يكون فشل هذا الفيلم في تقديم لحظات مضحكة انطلاقاً من هذه الحبكة أفضل درس حول الخطوات التي يُفترض أن يتجنبها صانعو الأفلام عند تحضير أي أعمال كوميدية.

في التفصيل، تضطر «لوسيا» (بيلين رويدا) لخوض مغامرة قد تكون الأكثر مللاً على الإطلاق. يبدأ الفيلم بمشهدٍ يظهر فيه ابنها (غونزالو راموس) وهو يتدرّب بكل عصبية على نقل الخبر إلى امرأة متطلبة و»مثالية» لن توافق على الفتاة التي اختارها لأنها جريئة أكثر من اللزوم وتحمل الوشوم على جسمها.

لكن لا تبدي «لوسيا» أي ردة فعل حين تسمع الخبر. هي تفضّل التزام الصمت حين تعطيها «سارة» (كارولينا يوست) عشرات المؤشرات التي تثبت أن هذه العلاقة غير متناغمة، حتى أنها تصمت عندما تجعلها «سارة» تُخطط لزفافهما بنفسها.

تحافظ الأم على آداب السلوك في وجه تصرفات والدة «سارة» الفظة التي تعمل كسائقة حافلة (بيبا أنيورت) والسلوكيات غير اللائقة التي تصدر عن والدها «ميغيل» (خوسيه كورونادو). لا يلاحظ زوجها، عالِم الفلك المشتّت والأكبر سناً «إرنستو» (غونزالو دي كاسترو)، حقيقة ما يحصل مع أنه يرافقهم في رحلة كشفية إلى منطقة «شورية» الإسبانية الشتوية، البلدة الأم لعائلة «سارة».

قد يتوقع البعض أن تُخطط «لوسيا» لتخريب ذلك الزفاف بأي طريقة، فتُشجّع «سارة» المتحررة على إعلان عدم اهتمامها بالكنيسة الكاثوليكية أمام الكاهن (خيسوس فيدال) الذي تأمل «لوسيا» في استعماله لمنع الزفاف. لكن لا تتطور الحبكة بالشكل المتوقع، وتخلو هذه المواقف من أي نفحة كوميدية.

تظهر جميع الاحتمالات التي يمكن أن تُفرّق ذلك الثنائي الذي يبدو غير متناغم ولا يطوّره السيناريو بالشكل المطلوب. لكن لا تهتم المخرجة أرانتكسا إيشيفاريا وكاتب السيناريو أولاتز أرويو بقصة الثنائي الشاب، فلا يستعملان «العوائق» التي نشاهدها في أعمال الكوميديا الرومانسية التقليدية حيث تريد الأم دوماً أن تفرّق بين الحبيبَين. لن نشاهد أو نشعر بوجود ذلك «الرابط» القوي بينهما، باستثناء تأكيد «بابلو» على شخصية حبيبته المتحررة.

يُركّز صانعو العمل فعلياً على ممارسات «ميغيل» الفاسقة التي لا تعرف أي حدود، فلا يكف عن التودد إلى والدة الرجل الذي ستتزوجه ابنته. هو يقول إنه وقع في الحب!

قد تبدو هذه الفكرة مضحكة ظاهرياً، مع أنها تعكس شكلاً صريحاً من التجاوزات، لكن لا يحمل تنفيذها أي جانب مبتكر لجعل المواقف المرتبطة بها مضحكة. يُفترض أن تتحول رويداً من شخصية متزمتة وصعبة المراس إلى امرأة معرّضة للإغراءات، لكن لا شيء في أدائها التمثيلي يعكس هذا الجانب من الشخصية التي تقدّمها. أما «ميغيل» الذي يؤدي دوره كورونادو، فهو يبدو لجوجاً بدل أن يكون ساحراً.

لا يمكن تصديق نزعة هذه المرأة المثقفة ورفيعة المستوى إلى الاستسلام لرغبات رجلٍ مريب مثله. حتى أنه يميل نحوها ويلمس يديها أمام الكاهن وسط حفل الزفاف.

كانت المخرجة إيشيفاريا تستطيع أن تضيف صفعة إلى هذا المشهد لتقديم لقطة مضحكة، وكانت هذه الإضافة لتبدو منطقية في موقف مماثل. لا شك في أن جزءاً من المشاهدين على الأقل كان ليرغب في مشاهدة هذا النوع من المواقف لأن الاحتمالات التي تلي أي صفعة علنية، تزامناً مع تبادل العهود بين الزوجَين في الزفاف، ستكون فوضوية ومليئة بالمواقف المثيرة للاهتمام. لكنّ تداعيات الأحداث في هذا المشهد تبدو باهتة وشائبة على نحو كارثي، بما يشبه معظم عناصر هذا الفيلم.

قد تبدو الحبكة الأولية مُعدّة لافتعال مواقف كوميدية كثيرة، لكنها تتحول في النهاية إلى حكاية مختلفة عن نمو «لوسيا» الشخصي. بعبارة أخرى، سيتبيّن أن هذه المرأة التي يخشى ابنها إحزانها وتخييب أملها هي شخصية يسهل التأثير عليها، مع أنها كانت تدّعي المثالية طوال حياتها. كيف يمكن تصديق هذا الجانب من شخصيتها؟

لا مفر من اضطراب أسس الفيلم كله والجوانب الكوميدية التي يُفترض أن يرتكز عليها حين تصبح بطلة القصة جامدة لهذه الدرجة، بدل أن تحافظ على صرامتها وتتمتع بالقوة الكافية لفرض شروطها على الآخرين. لطالما كانت «لوسيا» امرأة متسلطة لدرجة أن تتحكم بمختلف جوانب حياة «إرنستو». كيف يُعقَل إذاً أن تسمح بوقوع تلك الأحداث الشائبة من حولها من دون أن تعترض أو تتفوه بكلمة؟

أخيراً، تبدو الحوارات سطحية لأقصى حد. وحده شقيق «سارة» الفظ (لالو تينوريو) يتفوه ببعض العبارات المضحكة من وقتٍ لآخر. في غضون ذلك، تتعدد المشاهد المزعجة وغير المبررة، منها خلافات صاخبة بين أفراد العائلة، وغضب سائق حافلة في زحمة السير، وعشاء عيد الميلاد الذي يلمّ شمل الجميع ويُجدّد الوضع الطبيعي.

باختصار، يبدو الفيلم شائباً لدرجة أن ننزعج من صانعي العمل أو نستنتج بكل بساطة أنهم يفتقرون إلى البراعة.

MISS 3