جاد حداد

American Conspiracy: The Octopus Murders... قضية صاخبة من أرض الواقع

15 آذار 2024

02 : 00

في آب 1991، وُجِد صحافي مستقل وبارع اسمه داني كاسولارو في فندق «شيراتون»، في غرب فيرجينيا، وسط مشهد دموي مريع لدرجة أن يفقد أحد الحاضرين وعيه. ظهرت جروح عدة على معصمَيه، وأعلن الطبيب الشرعي موت كاسولارو انتحاراً، لكن اشتبه المقربون من ذلك الصحافي فوراً بوجود خطبٍ ما في تلك الرواية. لا تتعلق المشكلة بجزءٍ من تفاصيل موته المثيرة للشكوك فحسب، بما في ذلك شخص شوهد مع داني في أيامه الأخيرة، بل كان كاسولارو يجري تحقيقاً عن قضية مدوّية حين قصد غرب فرجينيا، ويقال إنه قابل أحد معارفه هناك لاستكشاف قصة شائكة كانت لتهزّ العالم أجمع. هل أثار كاسولارو غضب أطرافٍ ما كان يُفترض أن يستفزها؟

تتعمق شبكة «نتفلكس» في قضية كاسولارو عبر عرض مسلسل قصير مؤلف من أربعة أجزاء. لا يشبه هذا الوثائقي مسلسلات الجريمة النموذجية التي تكون مقتبسة من قصص حقيقية. يتمحور مسلسلAmerican Conspiracy: The Octopus Murders (المؤامرة الأميركية: جرائم قتل الأخطبوط) حول أشكال متنوعة من الهوس، والخيانة، وحتى الجنون، وهو يوحي في بعض اللحظات بأنه يدور حول نفسه من دون تحقيق هدفه، لكن سرعان ما تتحول مقاربته إلى طريقة فاعلة لسرد حقيقة ما أصاب داني كاسولارو، ذلك الرجل الذي تورّط في مؤامرات محتملة وعجز عن الخروج من المأزق الذي وقع فيه، بغض النظر عن السبب الذي أدخله إلى ذلك العالم الشائك.

بدأت القصة مع قضية شركة «إنسلو». كانت هذه الشركة تقع في العاصمة واشنطن، وقد طوّرت برنامجاً اسمه «بروميس» في بداية الثمانينات لكن يقال إن الحكومة الأميركية سرقته لاحقاً، ما دفع الكونغرس إلى إطلاق سلسلة من التحقيقات التي شملت شخصيات سياسية معروفة من حقبة الثمانينات، منهم ويليام بار وجانيت رينو. كانت تلك القضية تحمل ثقلاً كبيراً، فهي لم تقتصر على سرقة حكومية بسيطة، بل قيل أيضاً إن برنامج «بروميس» استُعمِل بطريقة قادرة على زعزعة العلاقات الدولية. ظاهرياً، بدا ذلك البرنامج مجرّد أداة لإدارة الحالات، فكانت الولايات المتحدة تبيعه إلى الحكومات حول العالم. لكن يقال إنه شمل أداة خلفية سمحت بمراقبة الآخرين انطلاقاً من الولايات المتحدة. لم يَبِع المسؤولون البرنامج إلى أعداء واشنطن فحسب، بل إلى حلفائها أيضاً.

بسبب التحقيق بهذه القضية المبهرة، وصل كاسولارو إلى رجل اسمه مايكل ريكونوسكويتو، وقد زعم هذا الأخير أنه دسّ الأداة الخلفية في البرنامج وأكد أنه أصبح عدواً لأسياد الحكومة العالمية الحقيقيين منذ ذلك الحين. يظهر ريكونوسكويتو في الوثائقي الجديد ويبدو شخصاً مثيراً للاهتمام، فهو رجل مضطرب بكل وضوح لكنه يعرف ما يكفي من الحقائق التي يمكن التحقق منها لدرجة ألا يجرؤ أحد على تجاهل القصص التي يرويها. من الواضح أن هذا الجانب من شخصيته هو الذي جذب كاسولارو إلى القضية، فبدأ استكشاف برنامج «بروميس» ثم انتقل إلى النظريات الكامنة وراء «مفاجأة تشرين الأول»، أي القناعة القائلة إن رونالد ريغان وأعوانه أقنعوا إيران بإبقاء الرهائن لديها إلى ما بعد انتخابات العام 1980 كي يعجز جيمي كارتر عن تحقيق الفوز.

كان برنامج «بروميس» و»مفاجأة تشرين الأول» مجرّد بداية بسيطة «للمؤامرة الأميركية» الحقيقية، فقد زادت قناعة كاسولارو وريكونوسكويتو بسيطرة مجموعة قوية من القادة على العالم (يبلغ عددهم ثمانية وهذا ما يفسّر لقب «الأخطبوط») عبر مجموعة متنوعة من النشاطات غير القانونية. حتى أن أحدهم أصبح رئيساً للبلد. قد تبدو هذه الفرضية جنونية، لكن هل يمكن تجاهلها فعلاً؟

تُعتبر قصة «المؤامرة الأميركية» مشوّقة بما يكفي، لكن يضفي عليها المخرج زاكاري تريتز طابعاً أكثر إثارة. هو لا يكتفي بالتشكيك بجميع عناصر القصة، بما في ذلك احتمال تعرّض داني للقتل، بل إنه يسرد هذه الحكاية الشائكة من منظور صحافية أخرى اسمها أليس، إذ يبدو أنها قررت أيضاً اللحاق بداني والتورط في هذه الدوامة الشائكة. في غضون ذلك، أصبح الباحث كريستيان هانسن مهووساً بقضية كاسولارو وجرائم القتل المرتبطة بمؤامرة «الأخطبوط»، لذا يستعمله تريتز كدليل توجيهي حين يكشف أي تفاصيل جديدة عن القضية وعندما تتغير النظريات التي يطرحها وتتطور مع مرور الوقت. لا يستعمل صانعو العمل أسلوب التضخيم والمبالغة، لكن يتحول المسلسل في مرحلة معيّنة إلى حكاية تحذيرية حول نوع الصحافة الذي يغوص في زوايا العالم القاتمة. يسهل أن نلاحظ رضوخ هانسن لقوى الأعداء مثلاً، أو تعامله مع صدمته الخاصة وارتباكه المتزايد حين يقرر أن يسير على خطى كاسولارو. لكن يكمن الفرق هذه المرة في اتكاله على تريتز الذي يعيده دوماً إلى أرض الواقع. كان داني يستحق هذا النوع من الدعم.


MISS 3