7.7 مليارات دولار خسائر التدفقات إلى لبنان

02 : 00

نشرت منصة مبادرة سياسات الغد تحليلاً تحت عنوان «الأثر الاقتصادي للحرب في لبنان: الخسائر الحقيقية والمحتملة»، شارك فيه الباحثون: سامي زغيب، وسيم مكتبي وسامي عطاالله. وجاء فيه ما يلي: شنّت إسرائيل حرباً على قطاع غزة في أعقاب هجوم حماس في السابع من تشرين الأول 2023، وسرعان ما امتدت إلى لبنان حيث تدور حرب بين «حزب الله» وإسرائيل تتصاعد وتيرتها تدريجياً على طول المناطق الحدودية الجنوبية. وبالرغم من أنّ أكثريّة الضربات المتبادلة لم تتّسع رقعتها إلى خارج المنطقة الحدودية، إلا أنّ خطر نشوب حرب أكثر تدميراً تطال سائر المناطق اللبنانية يتعاظم يوماً بعد يوم. مع أنّ الصراع الجاري تدور رحاه في الجنوب، إلا أنّ تأثيره ينعكس على أنحاء البلاد كافة. فقد انخفض عدد الوافدين إلى مطار بيروت بنسبة 23% في شهر تشرين الأول مقارنة بالسنة السابقة، ما أدى إلى تقلّص عدد روّاد قطاع الضيافة، وبالتالي إلى تراجع إيرادات المطاعم والفنادق.

تقييم دقيق

وفي ظل استمرار هذا الصراع، لا بدّ من إجراء تقييم دقيق لتأثيره السلبي على اقتصاد لبنان وبنيته التحتية. فالصراع الدائر في جنوب لبنان قد يؤدّي إلى تراجع ملحوظ في تدفقات العملات الأجنبية الواردة بشكل أساسي من السياحة والاستثمارات الأجنبية والحوالات المالية والصادرات، مع العلم أنّ لبنان بحاجة ماسة إلى هذه التدفقات لسداد تكلفة وارداته الضخمة. وعليه، يُعتبَر حجم الخسائر الفعلية والمحتملة أكبر بكثير، ذلك أنّ مدّة الاشتباكات ونطاقها الجغرافي سيكون لهما تأثير مضاعف على تدفقات العملات الأجنبية إلى البلاد.

سياح

كان لبنان يتوقّع قدوم 1.29 مليون سائح بين تشرين الأول 2023 وشباط 2024، لكن يُرجّح أن ينخفض هذا العدد المستهدف بنحو 300 ألف، إن افترضنا أنّ نسبة تراجع أعداد الوافدين التي سجّلها شهر تشرين الأول (23%) ستبقى هي نفسها للأشهر الأخرى. وبما أنّ متوسّط إنفاق السائح قد بلغ 1,500 دولار أميركي في كل زيارة إلى لبنان بحسب بيانات عام 2022، تُقدر قيمة الخسائر الاقتصادية في إيرادات السياحة بحوالى 450 مليون دولار.

إستثمار وعقار

يعاني قطاع الاستثمار بدوره من انعكاسات الحرب، ومن المتوقع أن يشهد حجم الاستثمار الأجنبي في السوق العقاري في المناطق الجنوبية، على سبيل المثال، تراجعاً كبيراً. فقد سجّل شهر تشرين الأول 2023 انخفاضاً سنوياً في الصفقات العقارية بنسبة 60% على مستوى البلاد، وتراجعاً بنسبة 40% مقارنةً بمتوسط السنوات الاثنتَيّ عشرة السابقة (2011-2022)، الأمر الذي يشير إلى شيوع حالة من التردّد بين المستثمرين. انطلاقاً من ذلك، تُقدّر قيمة الخسائر الناجمة عن تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 40% على مدى ستة أشهر بنحو 105 ملايين دولار. وقد يصل إجمالي الخسائر التي سيتكبدها لبنان في التدفقات الداخلية الواردة من هذين القطاعَين فقط إلى حوالى 550 مليون دولار.

في حال طال أمد النزاع، ستستمرّ معاناة قطاعَي السياحة والاستثمار العقاري، ما سيؤدي إلى حرمان البلاد من المزيد من التدفقات النقدية. فعلى سبيل المثال، يُتوقّع أن ينخفض عدد السيّاح الوافدين إلى لبنان بمعدّل 900 ألف بين تشرين الأول 2023 وأيلول 2024، مما سيكبّد البلاد خسارة في عائدات السياحة تُقدّر بحوالى 1.35 مليار دولار. كذلك، إن طال أمد هذا الصراع، قد تتفاقم حالة التردّد السائدة في قطاع العقارات ويخسر لبنان استثمارات أجنبية مباشرة تقارب 210 ملايين دولار خلال عام واحد.


زراعة

هذا وستؤثر الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي على صادرات البلاد. فللجنوب اللبناني حصّة كبيرة في إنتاج الزيتون والتبغ واللوز والقمح والشعير والحمضيات والموز والحليب وزيت الزيتون، وغيرها، ما سيؤثّر على إجمالي صادرات هذه المنتجات التي تقدَّر قيمتها بـ94 مليون دولار سنوياً، لذلك، من المتوقع أن يصل إجمالي الخسائر في تدفقات العملات الأجنبية إلى ما لا يقل عن 1.6 مليار دولار.

4 تدفقات تتأثر

في حال نشوب حرب شاملة، ستتعطل قنوات التدفقات الداخلية الأربعة الرئيسية في لبنان. فتتوقف حركة السياحة بشكل شبه كلّي مع هبوط أعداد الوافدين بنسبة 90%، على غرار ما حصل خلال حرب تموز 2006، ما قد يؤدي إلى خسارة عائدات تُقدّر بحوالى 4 مليارات دولار في قطاع السياحة. فضلاً عن أنّ هجرة اللبنانيين من اليد العاملة الماهرة وانتقال الشركات، لا سيما الدولية منها، إلى الخارج سيوثّران بشدّة على التدفقات المخصصة لدفع رواتب الموظفين. لقد تضاءلت رواتب الموظفين في لبنان تدريجياً بعد حرب تموز 2006، إذ انخفضت بنسبة 55% في كانون الأول 2006 مقارنةً بما كانت عليه في كانون الأول 2005.

رواتب

بالنظر إلى الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان منذ زمن، سيعاني من خسائر أكثر فداحةً مما كانت عليه عام 2006 مع خروج الشركات الدولية وانتقال الشركات المحلية خارج البلاد. لذلك، نتوقّع حدوث انكماش بنسبة 50% في رواتب الموظفين بين آذار وتشرين الأول 2024 سيمتد على الأرجح لفترة أطول، ما سيؤدّي إلى خسائر بقيمة 53 مليون دولار وإلى انكماش النشاط الاقتصادي عموماً.

بنى تحتية

في سيناريو كهذا، سترخي الحرب بظلالها على معظم المناطق اللبنانية، وستقوّض معها البنية التحتية الحيوية لحركة النقل والشحن، فضلاً عن إمدادات المياه والطاقة، ومن المرجّح أن يشهد القطاع الصناعي وصادراته انكماشاً كبيراً قد تصل نسبته إلى أكثر من 50% خلال الأشهر الـ12 الممتدة بين تشرين الأول 2023 وأيلول 2024، وتقدّر قيمته بمليارَي دولار.

يعتمد لبنان على العملات الورقية والنقدية التي ترده مقابل صادراته لصرف الحوالات المالية الواردة إليه. وفي حال توقف حركة المرافئ وإيراداتها، ستخسر البلاد هذه التدفقات الحيوية إليها في خلال الحرب، ما سيهدّد معيشة الأسر التي تعتمد على الأموال المرسلة من الخارج، لأنها لن تتمكّن من الحصول على مصدر آخر للدخل. وفي الإجمال، من المرجح أن تبلغ قيمة خسائر لبنان جرّاء توقف تدفق الحوالات المالية خلال هذه الفترة حوالى 1.5 مليار دولار.

قد تصل قيمة الخسائر المحتملة من تلك التدفقات إلى ما يقارب 7.7 مليارات دولار، وهو مبلغ هائل، بالنظر إلى تقلص إجمالي الناتج المحلي في لبنان لحدود 16 مليار دولار. وإذا ما أضفنا التأثير المضاعف لخسائر التدفقات الداخلية، سيكون حجم الأضرار أكبر.

أسوأ من 2006

صحيح أنّ لبنان قد واجه في السابق صراعات عدّة مع إسرائيل، لكنّ نشوب حرب جديدة سيكون له عواقب وخيمة على الدولة برمتّها لأسباب متعددّة. أولاً، يعاني لبنان انهياراً اقتصادياً من جرّاء الأزمة المالية التي ألمّت به عام 2019، والتي تفاقمت بفعل رفض الطبقة الحاكمة إجراء الإصلاحات اللازمة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي بعد أن كانت السبب في زعزعته. لقد تراجع إجمالي الناتج المحلي في البلاد إلى 40% مما كان عليه عام 2018، مع بلوغ الهشاشة المجتمعية مستوىً قياسياً. ثانياً، يزداد اعتماد لبنان، جرّاء الانهيار الاقتصادي الحاصل، على تدفقات رؤوس الأموال التي ارتفعت نسبتها إلى الناتج المحلي الإجمالي من 50% عام 2018 إلى 90% عام 2023. ثالثاً، يُعتبر الاقتصاد اللبناني قائماً على النقد. من هنا، تبرز خطورة اعتماد لبنان على استيراد الأوراق النقدية بالدولار لدعم اقتصاده. لذلك، سيتوقف تدفق الأموال إلى لبنان في حال توقّف الموانئ والمطارات عن العمل. أخيراً، تبدي الجهات المانحة، التي ساعدت لبنان في السابق في تغطية نفقاته، تردداً في مساعدته اليوم بسبب فشل قادته في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة. من الضروري أن تضغط الجهات الدولية الفاعلة من أجل وقف فوري للحرب الإسرائيلية على غزة، الأمر الذي لن يوفر فقط طريقاً لتخفيف حدة التوترات، بل سيخفف أيضاً من الأزمات الإنسانية المتزايدة والخسائر البشرية والاقتصادية الكبيرة في جميع أنحاء المنطقة.