غادة حلاوي

عندما يبلغ الإستياء المسيحي حدّ العصيان

شعور آخذ في التمدّد (رمزي الحاج)

في خطابه الأخير، ناشد رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل «القيادات في الطائفة السنية والأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، ورئيس مجلس النواب نبيه بري بحكمته ورئيس الحزب الاشتراكي السابق وليد ونجله تيمور جنبلاط بفهمهما للجبل، وكل القيادات اللبنانية ألّا يفرّطوا بالشراكة المتوازنة والمتناصِفة». ففي أكثر من مؤسسة عسكرية ومدنية تحصل مناقلات وتعيينات ويستثنى منها المسيحيون، واذا كانت المناصب من حصة الشيعة، يبقى الموقع شاغراً إلى أن يقرّر الثنائي مصيره.

يتكل باسيل على «حكمة» بري كي لا يتم الذهاب بعيداً في الاستفراد بالقرار في الحكومة وفي الادارات، وكي يضع حداً للفراغ الرئاسي من خلال تعيين جلسة انتخاب للرئيس. ويمكن اعتبار الرسالة بمثابة نداء أخير قبل خطوات تصعيدية ينوي اتخاذها «التيار» ليست بكركي بعيدة عنها، كأن يدعو للتوقف عن التعامل مع الدولة، بحيث يتم تنفيذ اللامركزية الادارية من دون قانون يرسّخها.

أبواب الحوار بين بري وباسيل غير مقفلة، لكن مشكلة «التيار» مع الثنائي تعنّته في الموضوع الرئاسي والخروج عن رغبة المسيحيين مجتمعين. ليس وضع الثنائي بأفضل حال من المسيحيين. الحرب التي يخوضها «حزب الله» تجعله في منأى عن البحث في أي استحقاق داخلي. لا يمكنه الخروج من ترشيح سليمان فرنجية، بينما يباعد التمسك به، المسافة بينه وبين المسيحيين. يدفع فرنجية الثمن. ترشيحه وإن كان يمكن أن يكون موضع نقاش أو قبول مسيحي، قد يتحول إلى كبش فداء.

تتردّد في الآونة الأخيرة شكوى المسيحيين من الإقصاء. حتى أولئك الوسطيون من غير المحسوبين على أي جهة سياسية في السياسة يساورهم شعور بالغبن نتيجة ما يشهده ملف انتخابات رئاسة الجمهورية وتداول الأسماء من دون الركون إلى موقف المسيحيين المعنيين بالاستحقاق قبل غيرهم.

في تعليقها على الوضع المسيحي تقول شخصية مسيحية وازنة إنّ واقع المسيحيين ليس في خير، منتقدة طريقة تعامل الثنائي مع الاستحقاق الرئاسي والتمسك بمرشّح رئاسي لا يحظى برضى شريحة واسعة من المسيحيين، لكن تقاطعهم على الشكوى من الواقع لن يكون سبباً لإجتماع المسيحيين في بكركي.

فدعوة باسيل «المؤتمن على مجد لبنان»، لأن يجمع القيادات السياسية المسيحية لأنه «لا يوجد أي سبب كي لا نلتقي»، قد لا تلاقي تجاوباً من بكركي، وإن كان الصرح البطريركي منفتحاً على الحوارات الثنائية، ولا سيما مع «التيار الوطني الحر». فبكركي لم تعد في وارد ارتكاب خطوات غير محسوبة، وهي تدرك صعوبة جمع القادة المسيحيين، وقد خرجت أصوات اعتراضية على دعوة باسيل من كتل مسيحية تطالبه بأن يصطدم بـ»الحزب» ويخرج عن التفاهم معه، وهذا ما يرفضه «التيار» الذي لا يزال يعتبر سلاحه ضرورياً للدفاع عن النفس طالما ترفض واشنطن تسليح الجيش بأسلحة قتالية دفاعية وذات أهمية توازي ما يملكه «الحزب» على الأقل.

‏وفي المقابل يؤدي موقف الحزب «بتهميش المسيحيين، والإصرار على ترشيح فرنجية وتغطية ارتكابات الحكومة في مخالفة الدستور، وضرب صلاحيات الرئيس» إلى خسارة «التيار» جزءاً من شعبيته لصالح القوات بحجة الدفاع عن الحقوق.

منذ حرب المساندة لجبهة غزة التي يخوضها «حزب الله» تراجع الاهتمام المحلي باستحقاق رئاسة الجمهورية باستثناء تحرك للجنة الخماسية لا يذهب أبعد من بث التفاؤل كونه موضع متابعة إعلامية. تحركها يعني بقراءة مسيحية أنّ الاستحقاق خرج من المسيحيين الذين ينتظرون القرار في شأنه من الخارج أو رهن التسوية التي قد لا يكونون جزءاً منها. تقول مصادر مسيحية إنّ بكركي قد تذهب أبعد من «التيار» في الخطوات التي قد تلجأ إليها وأنّ اجتماعات مسيحية بالجملة تعقد، تشترك فيها «القوات» و»التيار» لاتخاذ خطوات معينة في هذا الإطار. في تحليل شخصيات مسيحية، أنّ الثنائي لا يريد رئيساً للجمهورية ويرفض مبدأ البحث في اسم مرشح خارج فرنجية، علماً أنّ مصادر في «الخماسية» قالت معلقة على زيارتها السابقة لرئيس المجلس إنّ اللافت كان فيها سؤاله السفراء عن مرشحهم البديل لفرنجية، ما فُهم على أنّه استعداد للحوار حول المرشح الثالث.

خطورة ما تشهده البلاد هو ذاك الاصطفاف المسلم مقابل شعور مسيحي بالإبعاد. وهو شعور آخذ في التمدد والبحث يجري خلف الكواليس حول سبل الحدّ منه.