جاد حداد

Orion and the Dark... رسوم متحركة مميزة

19 آذار 2024

02 : 00

يحمل فيلم الرسوم المتحركة Orion and the Dark (أوريون والظلام) على شبكة «نتفلكس» خصائص الأعمال التي تنتجها شركة «بيكسار» أكثر من معظم إنتاجاتها الحديثة، فهو يرتكز على أبرز القواعد المعتمدة في هذا النوع من الأعمال، لا سيما إضفاء طابع إنساني على المسائل التي تبدو مستحيلة، كما في أفلام Inside Out (من الداخل والخارج) وToy Story (قصة لعبة)، علماً أن الفيلم الجديد يستعمل مرجعاً من هذه السلسلة الشهيرة بشكلٍ مباشر في بدايته. من الناحية الإيجابية، يستند الفيلم إلى نموذج واضح المعالم بدل الاكتفاء بنسخ خصائص أعمال «بيكسار» بطريقة سطحية. تحمل القصة جوانب مألوفة طبعاً، لكنها تصيب الهدف لأنها تجمع بين أسلوب سردي فريد من نوعه من توقيع الكاتب تشارلي كوفمان وحكاية مؤثرة عن فتى يريد بكل بساطة أن يشعر بالأمان في هذا العالم. يُعتبر هذا العمل من مفاجآت هذه السنة بفضل شخصياته الدقيقة، وحواراته الممتعة، ورسائله الإيجابية.

مقارنةً بالأفلام العائلية الأخرى، يفتقر السيناريو إلى السلاسة بدرجة معيّنة. من غير الشائع أن تحمل أفلام الرسوم المتحركة إشارة إلى شخصيات مثل ديفيد فوستر والاس أو سول باس. تظهر هذه المراجع منذ البداية. قد تكون هذه المقدمة ذكية وأشبه بفيلم قصير مستقل، لكن يقوم كوفمان والمخرج شون شارماتز، الذي يخوض تجربته الإخراجية الأولى، بتعريفنا إلى «أوريون» (جيكوب ترامبلي)، فتى في المدرسة الابتدائية يخاف من كل شيء تقريباً: التنمّر، والنحل، والسقوط من ناطحات السحاب... هو يفكّر بجميع المظاهر المرعبة، لكن يبقى الظلام أكثر ما يخيفه.

في إحدى الليالي، بعدما يحاول والداه الداعمان له (كارلا غوغينو ومات ديلابينا) إقناع ابنهما بأنه في أمان، يقابل «أوريون» شخصية «دارك» (الظلام) التي يجسّدها الممثل الرائع بول والتر هاوزر، فهو يقدّم أداءً صوتياً يتراوح بين المرح والضعف بأجمل أسلوب ممكن على مرّ الفيلم. يُذكّرنا أداؤه هذه الشخصية بقدرة الممثلين على رفع مستوى أفلام الرسوم المتحركة حين يمتنعون عن اعتبار هذا النوع من الأعمال مهمّة سهلة. من الواضح أنه يتلاعب بمهمّته المستحيلة وينجح في تحويلها إلى عملية يسهل أن يتأثر بها المشاهدون. ماذا لو كان «دارك» مشابهاً لشخصية «أوريون» على مستويات معيّنة؟ هو يخاف أيضاً من التعرّض للتجاهل والشعور بعدم أهميته في العالم. في النهاية، يحبّ الجميع «لايت» (الضوء) (إيك بارينهولتس) الذي يظهر في هذه القصة كنسخة من «سوبرمان» المختلف عن «باتمان» المتمثّل بشخصية «دارك»، ما يعني أنه يحمل صفات بطولية إضافية.

يقتنع «دارك» بأن أفضل مقاربة لتبديد خوف «أوريون» منه تقضي بتعريضه للظلام مباشرةً، ما يعني أن يصطحب بطل القصة في رحلة حول العالم لرؤية تفاصيل الليل ويُعرّفه على «سويت دريمز» (أحلام سعيدة) (أنجيلا باسيت)، و»سليب» (النوم) (ناتاسيا ديمرتريو من مسلسل What We Do in the Shadows (ما نفعله في الظلال)، و»أنيكسبليند نويزيس» (ضجة غامضة) (غولدا روشوفيل)، و»إنسومنيا» (الأرق) (نات فاكسون)، و»كوايت» (الهدوء) (أبارنا نانشيرلا). يبدأ الفيلم بالاقتراب من أجواء Inside Out في هذه المرحلة بالذات، إذ تمتزج هذه العناصر وراء الكواليس لتقديم العواطف التي ميّزت ذلك العمل. لكن لا يرضخ هذا الفيلم للمشاعر وكأنها انعكاس للأحاسيس الداخلية في أي لحظة، بل إنه يطلق نسخته الخاصة من الأحداث بدل اتباع المسار نفسه بكل بساطة.

يطبّق كوفمان هذه المقاربة حين يختار إضافة قصة ضمنية إلى الحبكة الرئيسية. بعد فترة معيّنة، يعرض الفيلم نسخة راشدة من الشخصية الأساسية (كولين هانكس)، فيروي بطل القصة تفاصيل ليلته المصيرية مع «دارك» لابنته. هل يختلق تلك القصة لإخماد مخاوفه من الظلام، أم أن الأحداث التي يرويها حصلت فعلاً؟ وكيف يمكن أن تختلق ابنته تلك القصة بنفسها؟ قد يرتبك المشاهدون في هذه المرحلة من الأحداث، لكن يتدخّل كوفمان وشارماتز سريعاً لتجديد تماسك العمل ويضفيان طابعاً ملتوياً وسريالياً على القصة من دون خسارة الخيوط العاطفية المؤثرة.

أخيراً، تتخبّط بعض اللقطات التي تجمع «أوريون» و»دارك» في الأفق، ولا تُعتبر جميع الخيارات الموسيقية مناسبة لأجواء العمل بشكل عام. كذلك، تُعرَض أفكار مفرطة عند تسليط الضوء على الجانب العاطفي من شخصية «دارك» وحين يصبح «أوريون» وابنته المستقبلية بطلَي القصة. لا مفرّ من أن نشعر في هذه المرحلة بأن مجموعة من المفاهيم التي تُطرَح في مواسم المسلسلات التلفزيونية تم ضغطها عشوائياً كي تَسَع في سيناريو فيلم واحد. مع ذلك، يستحق العمل الإشادة على الأرجح لأنه قد يكون من الرسوم المتحركة القليلة التي تعجّ بالأحداث في الفترة الأخيرة.

MISS 3