جنى جبّور

صفّ رقص "بلدي" في عكار...

أليكس بوليكوفيتش: "هزّة الخصر" لبلسمة الحرمان والقهر

19 آذار 2024

02 : 05

مشاركاً بعرض راقص

...وأصبح في عكار صفّ للرقص «البلدي» (الشرقي). حتّى هذه الكلمات، لا يبدو المشروع غريباً. ولكن أنّ ينظمه شابٌ شعره طويل يرتدي في بعض عروضه الراقصة الفساتين متمايلاً بجسده المرن، هو المفاجئ في مجتمع محافظ في الشمال اللبناني. الّا أنّ الراقص المحترف أليكس بوليكوفيتش قرر خلق مساحة فنية تشكل متنفساً لنساء عكار المحرومات من الكثير من الخدمات الأساسية والثقافية بطبيعة الحال.

ومع فتح باب التسجيل، اندفعت السيدات للإشتراك من مختلف ألوان المجتمع وشرائحه، وخلال الصف الأول برهن أنّ الحاجة أمّ «التحرر وتفجير المواهب».

أليكس بوليكوفيتش



بعد «كورونا» وتفجير المرفأ الذي دمر قلب أليكس كمنزله تماماً، انتقل للعيش في القبيات، مسقط رأس والدته، بعدما رمم بيت جدّه. على الاثر، دهش بمستوى الحياة الجيّد في البلدة العكارية، عكس ما يظنّ البعض... وكلّ من يعرف أليكس، يدرك جيدّاً أنّ شخصيته لا يمكن أنّ تمّر مرور الكرام، فكيف الحال لأبناء البلدات الحدودية الشمالية؟! «مين هل الشاب الشعرو طويل»، أسئلة على هذه الشاكلة ترددت على مسمع أليكس كل مرّة التقى فيه أبناء البلدة في الدكان أو عند «الخضرجي». حشريتهم دفعتهم الى البحث عنه على مواقع التواصل الاجتماعي حيث تُظهر صفحاته مهنته الذي يفخر بممارستها بكل احترافية «الرقص». وسرعان ما انقسمت الآراء حوله، بين مشجع ومنتقد. بعدها تحول أليكس الى «حديث الضيعة»، ولا سيما النساء اللواتي لم يتردّدن في الاقتراب منه لمساءلته: «مش انت يلي بتعلم رقص؟ أمتى بدك تفتحلنا صف؟». ولمدّة سنتين كانت هذه الكلمات لسان حال السيدات. فاستجاب أليكس منظماً صفاً اسبوعياً لتعليمهن الرقص «البلدي»؛ هذا المصطلح الذي يصر على استخدامه عوضاً عن «الشرقي»، فبحسب فلسفته «في لغتنا لا وجود لمصطلح «رقص شرقي»، إنها تسمية جغرافية أطلقها علينا الغرب لتحديد الشرق»، متسائلاً: «شرقي بالنسبة لمن؟ هذه التسميات لا تعنينا».

كما قرر اهداء هذا الصف الى روح أمه العصامية التي نزحت من عكار الى المدن للعمل، ورأى ان ما يقوم به نوع من تكريم لها وتحية لذكراها، فهي كانت تعشق الرقص الشرقي.

نحو مجتمع أفضل


هذا المشروع لم يكن ليبصر النور لولا التعاون مع اليانا سطوف، التي افتتحت صالة لصف يوغا هوائية Aerial dance، وتعاونت مع أليكس في صف مخصص للرقص «البلدي». ويعمل الاثنان معاً لتوسيع نشاطاتهما من خلال صفوف «سالسا» وغيرها... لخلق «مدرسة» رقص خاصة بعكار. ولتحقيق هذا الهدف يؤمن أليكس أنّه «بتضافر جهود الأشخاص الذين لديهم رؤية مشتركة لأرضهم، يمكننا الوصول الى مبتغانا. فالانماء مصدره أفراد يفكرون بنفس الطريقة، ويبادرون نحو مجتمع أفضل. وللأسف، ما زلنا نجد من يسخر من أعمالنا بسبب النمطية بالتفكير».



ملصق رقص «بلدي» في عكار



«أستوحي من العكاريات»

يؤمن أليكس باللامركزية في جميع المجالات، فبالنسبة له «لا ينحصر لبنان ببيروت، وكذلك النشاطات الثقافية»، ويقول: «بيروت لا تحتاجني بقدر القبيات». ولكن ماذا بالنسبة لمجتمع عكار المحافظ؟ وكيف تمكن راقص شاب أن يخرق خطوط المجتمع الحمراء؟ «الذي يحترم نفسه وفنه، يحترمه الجميع»، يجيب، مضيفاً: «صديقتي، الحرمان في جميع اشكاله، ترجم على أرض الواقع انتفاضة وثورة ورفضاً للمعتقدات المعلبة التي تفرض على النساء، ما يفسر عدد التسجيل الواسع في صفي. فالحاجة أكبر من كل شيء. وشخصياً لا توقفني الانتقادات غير البناءة»، مضيفاً أنّ: «نساء القرى قويات وافكارهن ثورية، ولديهن نزعة تحررية أكثر ما تتخايلون. في النهاية، أنا لا أدخل عادات غريبة الى مجتمعهن، بل أستوحي منهن بعدما عاشرتهن وراقبتهن عن كثب».

متنفّس للمرأة


بالعودة الى صف الرقص في موعده الثابت كل اربعاء في القبيات لمدّة ساعة ونصف الساعة (6 الى 7 والنصف مساءً) ، يضمّ تقريباً بين 15 الى 20 سيدّة من مختلف القرى الشمالية والمجتمعات، وبحسب أليكس «أجواء رائعة سيطرت على الصفين الأول والثاني، وفجرت النساء طاقاتهن المهولة المخفية». وعن تكلفة هذا الصف، يؤكد أنّ «الهدف من المبادرة غير مادّي، وأرفض رفضاً قاطعاً أن تمنع المادّة اي امرأة من الانضمام الى صفي، وقد أبلغت الجميع فعلاً أنّه يمكن لكل سيدة أن تدفع بقدر امكاناتها». خاتماً: «هذا الصف متنفس للمرأة، ونوع من العلاج النفسي. فالقهر والقمع والحرمان نبلسمها من خلال الرقص والتمايل و»هزة الخصر» محررين الجسد والفكر على حدّ سواء».

MISS 3