رواد مسلم

إستراتيجية الدفاع الوطني الأميركية لا تُلبّي الاحتياجات الحالية

20 آذار 2024

02 : 00

لا يستطيع الجيش الأميركي تحقيق زيادات في الإنتاج من دون تمويل إضافي (أ ف ب)

يشبه الوضع العسكري العالمي الحالي المرحلة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، حين قال رئيس أركان الجيش الأميركي الجنرال جورج مارشال قبل وقت قصير من إندلاع الحرب: «لمدة عشرين عاماً كان لدينا كلّ الوقت ولم يكن لدينا أموال كافية، اليوم لدينا كلّ المال وليس لدينا الوقت». اليوم تواجه الولايات المتحدة أكبر احتمال لصراع كبير منذ عقود، خصوصاً مع جمهورية الصين الشعبية المتزايدة العدوانية، ففي حين تتمتّع أميركا بقوة هائلة لردع الصين أو النصر في أي صراع مباشر، إلّا أنّ قوّتها مجرد توقّعات محتملة إذا لم يتصرّف الكونغرس بالجدّية التي تتطلّبها هذه البيئة العالمية ويوفر التمويل الكافي في الوقت المناسب للجيش الأميركي.

بعد ستة أشهر من السنة المالية، لم يوافق الكونغرس على ميزانية الدفاع المالية لعام 2024، التي تم تطويرها لدعم استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2022 حين اعتُبرت الصين التهديد الأوّل، من دون توقّع أن تتعدّد الاهتمامات المستقبلية. بالإضافة إلى ذلك، لم يوافق الكونغرس على الطلبات الإضافية التي تضمن تمويلاً آخر لتجديد مخزون الذخيرة لأوكرانيا وإسرائيل، ومساعدة غزة وتايوان، وتمويل استثمارات القاعدة الصناعية الدفاعية.

من المؤكّد أنّ تعدّد أزمات الولايات المتحدة الداخلية، بينما تفشل في توفير التمويل الكافي في الوقت المناسب لجيشها خلال فترة من المنافسة والصراع غير المسبوقة، تُقلّل بالتأكيد من الأمن القومي ومن المكانة والهيبة العالميين لجيشها، ما يُثير قلق الحلفاء ويُشجّع الأعداء. فعلى حد تعبير نائبة وزير الدفاع كاثلين هيكس، فإنّ «خصوم الولايات المتحدة لن يتباطأوا بينما نقوم بترتيب بيتنا من الداخل».

أمّا اقتراح وزارة الدفاع لميزانية 2025 البالغة 849.8 مليار دولار التي أعلنها البنتاغون في 11 آذار، لا تحتوي على الكثير من المفاجآت، فهي أيضاً استندت إلى استراتيجية الدفاع الوطني التي لم تتغيّر خلال السنوات الثلاث الماضية. ستستمرّ في دعم عدد من البرامج ذات الأولوية، بما في ذلك أنظمة الفضاء، ومبادرات الأمن السيبراني، وتحديث المقاتلة «بي 52»، والذخائر الفرط صوتية البعيدة المدى. وتحديث الثالوث النووي الذي يشمل القاذفة البعيدة المدى «بي 21 رايدر»، والغواصات من فئة «كولومبيا» وصواريخ «سانتينيل أل جي أم 35» للردع الأرضي الاستراتيجي.

الميزانية المقترحة تتضمّن 167.5 مليار دولار للمشتريات و143.2 مليار دولار للبحث والتطوير والاختبار والتقييم. ويشمل الرقم الأخير 17.2 مليار دولار للعلوم والتكنولوجيا و1.8 مليار دولار لأبحاث الذكاء الاصطناعي. وللقوات الجوية الأميركية مبلغ 517 مليون دولار لمواصلة تطوير صواريخ «كروز» الهجومية التي تفوق سرعتها خمسة أضعاف سرعة الصوت وتكون ذات قدرة عالية على المناورة لتجنّب خطر المضادات.

قوات مشاة البحرية الأميركية طلبت تعزيز قدرات الاستشعار والضرب في ميزانيتها المالية لعام 2025 من خلال طلب 4.2 مليارات دولار للمشتريات، بزيادة طفيفة عن طلب 4 مليارات دولار في السنة المالية الماضية، بالإضافة إلى 3 مليارات دولار أخرى للبحث والتطوير، من ضمنها 810.3 ملايين دولار لشراء 80 مركبة قتالية برمائية من عيار 30 ملم، و22 صاروخ تكتي من طراز «توماهوك بلوك 5»، 340.5 مليون دولار لشراء 674 مركبة تكتيكية خفيفة مشتركة و340 مقطورة مرافقة، و180 مليون دولار للدفاع الجوي - البحري.

في المقابل، واصلت الصين تحديث جيشها بسرعة مذهلة في خضمّ الحروب في أوروبا والشرق الأوسط، وضاعفت إنفاقها الدفاعي منذ عام 2015 وأعلنت زيادة بنسبة 7.2 في المئة هذا العام. إنّ جيش التحرير الشعبي أكبر قوة عسكرية برية في العالم، حيث يصل عدد القوات إلى 1.6 مليون جندي أو حوالى 70 في المئة من القوى العاملة لدى جيش التحرير الشعبي التي تبلغ حوالى 2.3 مليون فرد. وتستثمر بكين في أنظمة الصواريخ العابرة للقارات، وتعمل بسرعة على تحديث قدراتها النووية والفضائية والسيبرانية.

يستطيع جيش التحرير الشعبي التركيز على جيرانه على عكس الجيش الأميركي الذي لديه التزامات عالمية كبيرة ومتعدّدة الجهات، فتتصرّف الصين بعدوانية تجاه الفيليبين في بحر الصين الجنوبي، وتستبدل شعارات إعادة التوحيد «السلمي» مع تايوان بالقوة العسكرية، ويبدو أنّ خطابها وإجراءاتها القسرية آخذة في التصاعد في الوقت الذي تبني فيه الشراكات الدفاعية مع إيران وكوريا الشمالية وتقدّم الدعم لموسكو أثناء مهاجمتها لأوكرانيا.

لا يستطيع الجيش الأميركي تحقيق زيادات في الإنتاج من دون تمويل إضافي. ومنذ إنطلاق الحرب في أوكرانيا، يعمل الجيش الأميركي على تسريع إنتاج ذخيرة مدفعية عيار 155 ملم من حوالى 14 ألف طلقة شهريّاً في عام 2022 إلى 100 ألف بحلول عام 2025. كما خطّط لزيادة الذخائر الدقيقة، مثل صواريخ نظام الدفاع الجوي «باتريوت» وذخائر نظام إطلاق الصواريخ المتعددة الموجّهة «أم أل آر أس»، وكلاهما أثبت فعاليّته العالية في أوكرانيا وسيكون حاسماً في أي صراع كبير.

MISS 3