جاد حداد

Otherhood... نظرة مختلفة عن الأمومة

20 آذار 2024

02 : 00

يشمل فيلم Otherhood (أمومة من نوع آخر) معظم المشاهد والأغاني والتعليقات التي يمكن توقعها في أي قصة تتمحور حول ثلاث أمهات في منتصف العمر يقررن القيام بزيارة مفاجئة لأبنائهن.

يمكن إيجاد جميع المشاهد النموذجية التي اعتدنا عليها في هذا النوع من القصص: جولات تسوّق، تغيير المظهر الخارجي، شرب الأنخاب، دروس عن أهمية تعلّم معنى الحياة بعيداً عن الأحباء ومدى التزام الناس بالمواقف التي يطلقونها، تطفّل الأمهات ومبالغتهنّ في إعطاء النصائح، كشف حقائق خفية، مشاعر الذنب... لكن رغم هذه العوامل الضرورية، ثمة نقص معيّن في جوهر القصة. وكما هو متوقع، يعيش الأبناء أيضاً في شقق شاسعة جداً في مدينة نيويورك.

تحمل الأمهات الثلاث في هذه القصة تعريفاً غير مألوف عن معنى الأمومة لوصف علاقتهنّ بأبنائهنّ. كذلك، تقول النساء في لحظات معيّنة عبارات غريبة: «الأمومة شكل عاطفي وغير إنساني من التعذيب»، أو «الأم ليست مجرّد اسم بل فعل»، أو «لا تنشأ علاقة ساحرة بين الطرفين منذ المرة الأولى أحياناً». قد تحمل هذه الآراء بعض المؤشرات حول السبب الذي يدفع الأبناء إلى تجاهل أمهاتهم.

خلال دعوة يكثر فيها شرب الكحول في يوم عيد الأم، تشتكي النساء الثلاث من شعورهنّ بالإهمال ويقررن فجأةً الذهاب إلى نيويورك لزيارة أبنائهنّ، ومواجهتهم، وتحضير العشاء لهم. يحصل تبادل نموذجي بين الطرفَين، فتتكرر عبارات مألوفة مثل «لقد نسيتَ عيد الأم»، و»أرسلتُ لك رسائل كثيرة»، و»لا تنسَ أني ولدتُك».

تبذل الممثلات الثلاث قصارى جهدهنّ لتقديم هذه الشخصيات السطحية. تؤدي باتريسيا أركيت دور «جيليان» اللجوجة، وهي معلّمة بيانو ترتدي ملابس مزخرفة. ابتعد عنها ابنها «دانيال» (جيك هوفمان)، الكاتب المليء بالغضب، بسبب انتقاداتها لحبيبته (هايدي غاردنر بدور «إيرين»)، لكنها تُخبره هذه المرة بأنها لن تغادر قبل أن يخرج في موعد غرامي مع فتاة مطلّقة حديثاً (لم تكن المُلامة على الطلاق بحسب قولها!).

المرأة الثانية هي «كارول» (أنجيلا باسيت). لا تبدو هذه الأرملة مستعدة لمغادرة المنزل الذي تقاسمته مع زوجها وابنها. هي تربط شعرها على شكل كعكة طوال الوقت، ما يجعلها تبدو أشبه بمعلمات المدارس في القرن التاسع عشر. أرادت يوماً أن تصبح رسامة، لكنها تتطوع مرتَين في الأسبوع الآن لتعليم الفنون في دار رعاية. ينشغل ابنها «مات» (سينكوا والز) بعمله كمدير فني في مجلة ناشئة يفضّل ألا تعرف والدته شيئاً عنها. حتى أنه لا يريدها أن تعرف شيئاً عن الفتيات اللواتي يجلبهنّ إلى منزله من الحانات.

أخيراً، سنتعرّف على «هيلين» (فيليسيتي هوفمان) التي تهتم بالمظاهر كثيراً وتحاول التمسك بشبابها قدر الإمكان. هي لا تتخلى أيضاً عن حقدها تجاه زوجها الأول، مع أنها تزوجت مجدداً وتعيش حياة زوجية سعيدة الآن. يعيش ابنها «بول» (جيك لايسي) مع صديقه. هي تتقبّل ميوله الجنسية، لكنها تنهار حين تعرف أنه أخبر والده بهذا السر أولاً وامتنع عن إخبارها. لكن ثمة معلومات أخرى لا يتقاسمها معها.

تقدّم هوفمان أداءً متقناً في هذا الدور بالذات. تشير وضعية جسمها، ومشيتها، وحركاتها، ولهاثها الخفيف أثناء الكلام، إلى اهتمام «هيلين» المتعمّد بتصرفاتها الخارجية وانعدام الأمان الكامن وراء سلوكها. كذلك، تقدّم هوفمان (ابنة داستن هوفمان) أداءً رفيع المستوى، فتتعمق في شخصية كان يسهل أن تبدو مملة لو قدّمتها ممثلة أخرى.

تأتي المخرجة سيندي شوباك، التي شاركت في كتابة السيناريو، من عالم التلفزيون (من أعمالها Sex in the City (الجنس في المدينة)، و Modern Family (العائلة المعاصرة)، و Divorce(الطلاق))، ويتّسم التصوير السينمائي والمونتاج والموسيقى التصويرية في هذا الفيلم بأجواء ساطعة كتلك التي تطغى على مسلسلات السيتكوم الكوميدية، ولا تتماشى هذه الأجواء مع أحلك اللقطات في هذه القصة. تبدو اللحظات العاطفية في السيناريو (شارك مارك أندروس في كتابته) متكلفة، وخفيفة، وفارغة على نحو غريب.

تتعدد الجوانب التي تبقى سطحية، بما في ذلك مسائل بسيطة كأن تسأل «كارول» عن براعة مصفف الشعر المعتاد على أصحاب البشرة البيضاء في التعامل مع شعر السود. هي تطرح هذا السؤال وكأنها تستفسر عن خبرته في ألوان الصبغات، فتقول: «ما مستوى خبرتك مع نوعية شعري»؟ تبدو شخصية «جيليان» قريبة على نحو مزعج من الأم اليهودية اللجوجة النموذجية، ولا نفع من الحوار المتعلق بطريقة تغيير دينها حين تزوجت، لأن أحداً لن يصدّق أصلاً أن أركيت تنحدر من عائلة يهودية. على صعيد آخر، تتبادل النساء الثقة والأسرار إلى أن يتغير الوضع بينهنّ في مرحلة لاحقة. يعالج صانعو العمل المشاكل الناشئة على مستوى العلاقات العاطفية والخيارات المهنية والصداقة بطريقة سريعة وسطحية، وكأن جميع المصاعب يجب أن تتلاشى مع ظهور المشكلة اللاحقة.

أخيراً، شاركت بطلات القصة الثلاث في إنتاج هذا الفيلم، ويتعلق السبب على الأرجح بعدم وجود عدد كافٍ من الأدوار المثيرة للاهتمام للممثلات فوق عمر الخامسة والثلاثين. لكن يجب أن يبحثن عن أعمال أفضل في أماكن أخرى على ما يبدو.

MISS 3