رامي الرّيس

قضيّة المرفأ وتطبيق العدالة

21 آذار 2024

02 : 00

المعلومات التي نشرت في إحدى الصحف حول إستئنافٍ قريب للتحقيقات المعطلة في قضيّة انفجار مرفأ بيروت مهمة جداً كون تحقيق العدالة في هذه القضيّة الكبرى هو مطلب عادل ومحق ولا يجوز التراجع عنه تحت أي ظرف من الظروف، ذلك أنّ مجرّد حصول انفجار بهذه الضخامة وبقاء المسؤولين عنه من دون محاسبة هو أمر يبعث على الإحباط ويُشجّع على المزيد من الارتكابات نتيجة الإفلات من العقاب.

التحيّة هنا تُوجه لأهالي شهداء انفجار المرفأ الذين فقدوا أعزاء وأقارب لهم، هم من الأبرياء الذين وضعهم القدر في لحظة قاسية أدّت إلى استشهادهم من دون أي ذنب، ولقد واظب هؤلاء الأهالي على التحرّك من دون كلل أو ملل طالبين إحقاق الحق، وهو مطلب بديهي كان يُفترض أن يتحقق في أي دولة يُحترم فيها القانون وتمارس المؤسسات دورها بشكل طبيعي.

فما هو السبب الذي يفترض أن يدفع أهالي الضحايا، فوق خسارتهم وآلامهم، أن يناضلوا في سبيل تطبيق العدالة خصوصاً بعدما شهد اللبنانيون جميعاً الردود القانونيّة والردود المضادة التي حصل تعسف في استعمال بعضها تهرباً من العدالة وتطبيق القانون، حتى ولو أنّ البعض منها منصوص عنه في القوانين والتشريعات.

كثيرة هي المشاكل اللبنانيّة، بعضها مركب ومعقد نتيجة طبيعة النظام اللبناني بطائفيته ومذهبيته، ومنها ملف السلطات الدستوريّة وتوازنها وتعاونها، وهي السلطات الثلاث: التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة. الدستور يتحدّث عن استقلاليّة كل سلطة بذاتها وعن توازنها وتعاونها. ولكن، بات واضحاً أنّ التطبيق الانتقائي، في الكثير من الأحيان، المشوّه للدستور في لبنان هو المسار الغالب.

إنّ عدم قدرة السلطة القضائيّة في لبنان على الانفكاك من التأثيرات السياسيّة والتدخلات الواضحة في عملها أدّى إلى تدجينها وإلى جعل جهات نافذة عديدة فيها تابعة لهذا الطرف السياسي أو ذاك، بما يُفرّغ القضاء من وظيفته الأساسيّة المتمثلة بالمحاسبة وتطبيق العدالة من دون إقامة أي اعتبار لمعايير سياسيّة أو غير سياسيّة.

وثقافة القضاء المستقل تُبنى أولاً من قضاة مستقلين يملكون الشجاعة على الاضطلاع بمسؤولياتهم والقيام بدورهم من دون خوف على ترقية أو ترفيع أو نقل من مركز إلى آخر. لا شك أنّ ربط المناقلات والتشكيلات القضائيّة بالسلطة السياسيّة يُضعفها بشكل كبير، ولكن هذا لا يلغي أن صفات القاضي يجب أن تكون مغايرة لصفات الموظف العادي الذي يقوم بالعمل الإداري في الدولة.

تشير الأمم المتحدة في المبادئ الأساسيّة لاستقلال السلطة القضائيّة إلى أنه «تفصل السلطة القضائية في المسائل المعروضة عليها دون تحيز، على أساس الوقائع ووفقاً للقانون، ودون أية تقييدات أو تأثيرات غير سليمة أو أية إغراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات، مباشرة كانت أو غير مباشرة، من أي جهة أو لأي سبب». كما تشير أيضاً إلى أن «الدولة تكفل استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه. ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية».

بطبيعة الحال، لم تجد الأدبيّات الأمميّة يوماً دروباً سهلة للتطبيق ليس في لبنان فحسب، بل في العالم قاطبة، وها هي ارتكابات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين خير شاهد على ذلك، ويمكن سوق مئات الأمثلة على ذلك من بقع جغرافيّة مختلفة حول العالم.

إلا أنه، في نهاية المطاف، لا بد من قيام دولة القانون والمؤسسات في لبنان، وهي في مصلحة اللبنانيين جميعاً. ولا بد أيضاً من أن تتخلّى بعض الجهات عن فوائض قوتها لمصلحة الدولة التي تبقى القاسم المشترك بين الجميع.

MISS 3