رامي الرّيس

هل تُفتح قنوات الحوار بين واشنطن وموسكو مجدّداً؟

23 آذار 2024

02 : 01

سيّارات محترقة من جرّاء هجوم بطائرات مسيّرة على بيلغورود الروسية أمس (أ ف ب)

ليس ثمة مستحيلات في السياسة الدوليّة، والتاريخ القديم والمعاصر يشهد على ذلك. ولعل الأمر ينطبق على الولايات المتحدة وروسيا اللتين تخوضان حرباً غير مباشرة بالواسطة على أراضي أوكرانيا (وفي بقع جغرافيّة أخرى حول العالم)، عقب الحماسة الأميركيّة والأوروبّية للردّ على الحرب الروسيّة واجتياح الأراضي الأوكرانيّة.

لقد تبيّن من كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (الذي أعيد انتخابه لولاية رئاسيّة جديدة من دون معارضة تُذكر)، أنه مستعد للحوار تماماً كاستعداده لمواصلة الحرب التي بات من الواضح أنها من دون أفق سياسي سواءً بالنسبة إلى موسكو أو لأوكرانيا وأن الدفع momentum الذي تجلى في بدايات الحرب أخذ يتلاشى تدريجياً، خصوصاً بعد الحرب الإسرائيليّة على غزة المستمرة منذ أكثر من 160 يوماً وقد استقطبت الاهتمام العالمي ولا تزال.

واضحٌ أن المستفيد الأول من هذه الحروب المستعرة هي مصانع الأسلحة الثقيلة (ومن بينها إسرائيل التي تعتبر نفسها متفوقة في التصنيع لأنها تبيع أسلحة «مجرّبة» في لبنان وفلسطين!). ووفقاً لتقرير جديد صادر عن معهد ستوكهولوم الدولي لأبحاث السلام، بلغت مبيعات الأسلحة والخدمات العسكرية لأكبر 100 شركة أسلحة في العالم 597 مليار دولار (549 مليار يورو) عام 2022 بانخفاض 3.5 في المئة مقارنة بعام 2021.

إنما بمعزل عن المصالح التجاريّة العابرة للقارات التي لا تبني حساباتها بطبيعة الحال على الاعتبارات الإنسانيّة، غالباً ما تمهد الحروب الطريق للحلول السياسيّة التي يُرتجى منها أن توفر المآسي والقتل للمدنيين الأبرياء. وتشير المعلومات إلى أن الحرب أدّت إلى سقوط ما يُناهز 500 ألف جندي بين قتيل وجريح، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز» التي نقلت عن مسؤولين من الولايات المتحدة قولهم إنّ ما يصل إلى 120 ألف جندي روسي قتلوا وأصيب نحو 180 ألفاً، بينما بلغت حصيلة الجيش الأوكراني 70 ألف قتيل و100 ألف إلى 120 ألف جريح. ثمّة أرقام روسيّة تشير إلى أعداد أكبر من القتلى من الجانب الأوكراني.

مهما يكن من أمر، المسألة ليست مسألة أرقام، فالأرواح التي تزهق من الطرفين هي أرواح كانت تستحق الحياة، ولولا النزاعات العسكريّة المدمرة لما سقطت بهذه الطريقة. وكونه بات واضحاً أن الحرب وصلت إلى طريق مسدود، فقد يكون الحوار بين واشنطن وموسكو هو الخيار الأمثل للخروج من الأزمة.

لا يمكن للغرب أن يسوق اعتراضاته على هذا الاقتراح إنطلاقاً من العناوين الكبرى التي يطرحها، خصوصاً تلك المتصلة بالحريات والاستقلال والديموقراطيّة وحقوق الإنسان، لأنّ كل هذه العناوين تحطمت عند أعتاب حرب قطاع غزة التي كشفت زيف الادعاءات الغربيّة بأنها متمسّكة بهذه الشعارات وقد صمتت لفترة طويلة إزاء الانتهاكات الإسرائيليّة غير المسبوقة، أو أقلّه لم تضغط في اتجاه وقف لإطلاق النار في الوقت الذي تشهد فيه غزة مجاعة مفتعلة بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل ومنعها دخول المساعدات الإنسانيّة المكدّسة على الحدود.

لقد عاشت الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفياتي (السابق) مراحل كثيرة من الحروب بالواسطة، في ما اصطلح تسميته بالحرب الباردة، ولكن البلدين ايضاً خاضا حوارات أثمرت اتفاقات تاريخيّة للحد من إنتشار الأسلحة النووية والصواريخ الباليستيّة، وحصل ذلك في أوجّ الصراع المحتدم بين البلدين ولاحقاً بعد انتهاء الحرب الباردة.

قد تبدو الدعوة إلى الحوار بين خصمين لدودين مسألة مستغربة في لحظات الاشتعال العسكري، إلّا أن المجال الوحيد الكفيل بحلّ هذه الصراعات الدامية وتلافي الانزلاق نحو حرب عالميّة ثالثة هو الحوار بين القطبين الكبيرين. لعل هذا ما قد يحصل في حال عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجدّداً في فصل الخريف المقبل.

MISS 3