شربل داغر

بريق العيون الصامتة

25 آذار 2024

02 : 00

لن يجد المتابع صعوبة في رسم مشهد سياسي وإيديولوجي واسع في هذه البلاد. وقوام هذا المشهد يتعين (في اختصار) في الانتقال من المجال العربي إلى المجال الإسلامي، ومن فكرة البناء الديمقراطي إلى فكرة الخليفة أو الولي الفقيه. ولا يعني هذا الرسمُ أن راسمي سياسات المجال العربي اجتهدوا في مسعاهم، أو نجحوا فيه، إذ إن انقلاباتهم العسكرية لم تستولد «ثورات»، كما أعلنوا عنها، وادعوا حصولها. أما راسمو المجال الإسلامي فقد جعلوا من شقوق المذاهب الإسلامية منافذ للتسييس والتجييش، ما أطاح النزعة القومية، من جهة، وما جعل الخلافة الإسلامية مشروعَ فتنةٍ مفتوحة، من جهة ثانية.

كما أن هذا الانتقال لم يراكم أية حصائل إيجابية على توالي العهود، إذ بدا التحكم العنفي الشديد في المشروعَين هو المبتغى. فكانت نجاحات هذا وذاك هي في كم الأفواه في اللحظة المرنة، وفي الاغتيال في لحظة التسيد.

بل يمكن القول إن مفردات الخطاب السياسي، ومنظوره في المقام الأول، تراجعت للغاية، ونجحت البلبلة في سوء تشخيص الأزمة وفي إيجاد حلول لها.

إن مسائل مثل : الدستور، والديمقراطية، والتعددية، والتقدم وغيرها، باتت خارج التداول، فيما تصدرتْ لبناء منظور مختلف، مفرداتٌ مثل : الأمة، والأمير، والجماعة وغيرها.

وأصبح لـ»الله» أحزاب وأنصار منتشرون هنا وهناك...

في هذا كله، لم يتم العمل بالطبع على بناء اقتصادات منتجة، ولا على إنتاج معارف شريكة في إنتاج التقدم، ولا على إطلاق قوى منكفئة أو مخضَعة في المجتمع. وأقصى ما بلغتْه هذه السياسات هو فرض الحجاب على نطاق واسع، وأشكالٌ من «الحشمة الفقهية»، إذا أمكن القول.

بل الأشد والأفظع في هذا كله هو إشاعةُ سرديةٍ قوامها : كراهية العالم المتقدم، فضلاً عن معارفه وطرق اشتغال أنظمته. وهو ما انبنى على افتخارية ذاتية، قوامُها أننا «خير أمة»، وما يتبعها من الصفات. فلم نعد، بالتالي، نعيش في العالم عينه، ولا تتهاوى الحدود فيه أكثر فأكثر. وإنما نعيش في عالم وهمي، مع كائنات ماضية بهيئات خرافية وأسطورية. وكل هذا في الوقت الذي لا ننجح فيه في التماسٍ واحدٍ ومشترَك لرؤية هلال رمضان...

أما السؤال الأصعب في هذا كله، فهو : كيف يحصل هذا كله، فيما نجد الكثيرين راضِين، قانعين، يتفننون وحسب في استعادة «الزمن الجميل» (كما يسمونه) ؟ نراهم يتذمرون من «عداء الغرب المستحكم» فيما لا يثيرون السؤال : لماذا «يكرههم» الغرب... وحدهم دون غيرهم ؟

ألا يجدر طرح السؤال عن الصور المتبادَلة بالتالي؟ لماذا نريد أن يؤيدنا الغرب (كما نريد له أن يؤيدنا) فيما نخاصمه في كل شيء، ما خلا استهلاك إنتاجاته كلها؟ كيف له أن يرى إلينا بعين أخرى، غير التي يرى إليها في عيون المهاجرين غير الشرعيين، وفي عيون الملتاعِين بصمت من استبداد المتحكمِين ؟

MISS 3