جاد حداد

Homicide: New York... جرائم قتل من أرض الواقع

28 آذار 2024

02 : 00

«على جزيرة مانهاتن، يعمل فريقان من المحقّقين على حلّ جرائم قتل شائكة: فريق مانهاتن الشمالي، وفريق مانهاتن الجنوبي. هم يجرون التحقيقات عن جرائم القتل الأكثر تعقيداً ووحشية».

يسهل أن نتذكّر الموسيقى التصويرية الكلاسيكية التي تُميّز مسلسل Law & Order (القانون والنظام) عندما تختفي هذه العبارة الواردة في مقدّمة مسلسل Homicide: New York (جرائم قتل: نيويورك). يتألّف هذا الوثائقي من خمسة أجزاء، وهو من كتابة ديك وولف والفريق المسؤول عن المسلسل الناجح الذي عرضته قناة «إن بي سي» سابقاً. من المنتظر أن يصدر جزء آخر بعنوان Homicide: Los Angeles (جرائم قتل: لوس أنجلوس) في وقتٍ لاحق من هذه السنة، لكن تبدو هذه السلسلة مبالغاً فيها على مستوى الإنتاج والإخراج للأسف. لا شكّ في أن هذا النوع من البرامج يتّسم بعناصر لامعة، فهو يتمحور حول ضباط أبطال في مجال القانون، لكن تتلاشى النوايا الحسنة دوماً بسبب القرارات الخاطئة.

يبدو هذا الوثائقي قريباً من الإجراءات المتّبعة في مسلسل The First 48 (أول 48 ساعة) أكثر من الأعمال التي سيطرت على قصص الجرائم الحقيقية لفترة طويلة، وسيتأثر به حتماً كل من أساء استعمال مفهوم الحملات الدعائية الرافضة انتقاد سلك الشرطة. في هذا الوثائقي، لا تقتصر المقابلات على عناصر الشرطة، بل تشمل أيضاً أعضاءً من جميع وكالات إنفاذ القانون، فيظهر هؤلاء بصورة إيجابية مبالغ فيها لدرجة أن يعتبر رجال الشرطة بحد ذاتهم الصفات المعروضة سطحية لأقصى حد. حين يتكلم أحد ضباط الشرطة في الحلقة الخامسة عن القاتل المتسلسل في شرق هارلم ويقول إنه لا يهتم بلون بشرة الضحية أو المجرم، يسهل أن نصدّق نواياه الحسنة. لكن من السذاجة أن يلوم البعض وسائل الإعلام وحدها لأنها لا تغطّي الجرائم بقدر ما يفعل القانون.

تكثر الانتقادات التي يمكن توجيهها للمسلسل، ويمكن تقبّلها بدرجة معيّنة لأنها جوانب مألوفة في أعمال ديك وولف. لكن يصعب في المقابل تقبّل المقابلات المبهرجة وشبه الاستغلالية مع أشخاصٍ يوحون بأنهم يجرون تجارب أداء للمشاركة في جزء جديد من مسلسل Homicide Hunter (صياد جرائم القتل). هل من مبرر مثلاً لرؤية جرائم قتل مشابهة للإعدام بإيقاع بطيء، حيث يوجّه أحد المحقّقين إصبعه على شكل مسدس؟ يثبت هذا النوع من المشاهد أن المسلسل يختار قضايا شائكة ويحاول تخفيف وطأتها أمام المشاهدين لأنه لا يثق بقدرته على التحقيق بجرائم أكثر تعقيداً.

عند اختيار القضايا التي يريد صانعو العمل عرضها في المسلسل، يحتل مكان الجرائم أهمية كبرى بكل وضوح. تدور معظم القضايا في أماكن مشهورة عالمياً مثل «سنترال بارك»، و»وول ستريت»، و»كارنيجي ديلي». تُعرَض كل قضية مع تفاصيل كافية، ويتعلّق أفضل جانب من الوثائقي على الأرجح باتّكاله على العناصر الإجرائية التي تُحدد مواصفات الشرطة المجتهدة. يستحقّ تفاني الشرطة الاحترام والتقدير، سواء انشغلت بمطاردة المشبوهين لمحاولة الحصول على حمضهم النووي، أو رفضت الاستسلام في قضية عاملة تنظيف مفقودة.

ما الداعي إذاً لتخفيض مستوى العمل بسبب الصخب المفرط والبهرجة الفائقة؟ يبدو عدد كبير من المقابلات التي يعرضها الوثائقي مُحضّراً مسبقاً كي يلفت الأنظار ويثير الجدل، فيتذكر المشاهدون طوال الوقت إلى أي حدّ يتعب عناصر الشرطة في نيويورك، مع أن براعة المحقّقين في المسلسل تكفي لإثبات هذه الناحية من عمل الشرطة. لا يحتاج المشاهدون إلى من يذكّرهم بهذا الجانب على وقع موسيقى تصويرية محتدمة أو عبارات مبتذلة عن صعوبة حياة رجال الشرطة. قد يعتبر البعض تلك الشخصيات المبالغ فيها مألوفة في عالم الشرطة في نيويورك، لكن يصعب أن ننسى أن معظم المشاهد تبقى استعراضية ومتعمّدة. يقدّم الوثائقي أفضل أداء على الإطلاق حين يتخلى المشاركون في المقابلات عن السيناريو الجاهز ويتحدثون بكل صراحة وفخر عن القضية التي غيّرت حياتهم بأسلوب إنساني وعفوي.

لا مفرّ من أن يفضّل المشاهدون المعتادون متابعة قصص الجرائم الحقيقية المشاريع التي تثق بالجمهور، وهو عنصر ضعيف في هذا الوثائقي. يستحق هؤلاء المحقّقون والضحايا الناجون من الجرائم الحب والرعاية من صانعي العمل، فيتمّ التعامل معهم كأشخاص مميزين وواقعيين بدل تحويلهم إلى مادة دسمة لرفع نِسَب المشاهدة. من الممتع دوماً أن نتعرّف إلى أشخاص مهووسين بتفاصيل أشهر جرائم القتل في نيويورك، لكن لا يهتم هذا المشروع على ما يبدو بالتعمّق في تلك القضايا بدرجة كافية.

MISS 3