«لا شيء هو في الحقيقة كما يبدو» هو عنوان الجزء الأول من مسلسل «الأزمة المُفتعلة والحلّ المفقود». فتحت عنوان معالجة الأزمة المالية المفتعلة التي «كربجت» البلد منذ خمس سنوات، يبدو أن الأحداث تتوزّع على ثلاثة مستويات.
المستوى الظاهر:
من حكومة دياب الى حكومة ميقاتي هناك خُطط حسابية تغفل عن قصد أي محاولات جديّة لمحاسبة المرتكبين والمُتسببين بالأزمة وإستعادة الأموال المنهوبة والمُهربة. هذه الخطط تتعمّد أن تشتمل على مواد نافرة ومثيرة للجدل بهدف التفخيخ والإسقاط لاحقاً بعد أن يتم تسريب هذه الخطط دون تقديمها ولا الدفاع عنها ولا مناقشتها. فتكرار السيناريو نفسه، كشف طبيعة هذه الخطط التي يبدو انها للإستهلاك و»العلك» الإعلامي بينما الخطة الحقيقية يتم تنفيذها على مستوى آخر.
المستوى المُستتر:
على المستوى الثاني والمُستتر هناك خطّة خبيثة يتم تنفيذها منذ الكشف المسرحي عن الأزمة وتوقف المصارف عن الدفع والإمتناع عن إقرار كابيتال كونترول وإعطاء علامة الإنطلاق للموجة الثانية من تهريب الأموال الى الخارج. على هذا المستوى المُتستّر خلف النقاش العام والحملات الإعلامية يتم تنفيذ الخطّة الحقيقية، وهذه بعض عناصرها:
1 - شراء الوقت لمتابعة تهريب أموال النافذين.
2 - إستكمال سرقة وهدر الدولارات الموجودة في مصرف لبنان (وهي ما تبقى من الودائع).
3 - متابعة مرحلة جديدة من الهندسات المالية عبر مد المصارف بالدولارات لدفع الودائع الإئتمانية المملوكة من نافذين، والدعم العشوائي لمافيا التجار، ورد القروض بغير قيمتها، وتجارة الشيكات والكاش ومنصّة صيرفة.
4 - متابعة تذويب الودائع عبر حجزها والإقتطاع منها وخسارتها لفرص الإستثمار والربح للسنة الخامسة على التوالي وتآكلها بالتضخم وضياعها نهائياً عبر تجارة الشيكات او بالتقطير البطيء عبر تعاميم مصرف لبنان.
المستوى الخفي:
المستوى الخفي هو مشروع وضع اليد على البلد بالكامل عبر ضرب مؤسساته وتفجير مرافئه وتعديل قوانينه وإبتلاع قطاعاته الاقتصادية الواحد تلو الآخر. وفي المجال المالي تتنافس عدّة جهات ومن منطلقات مصلحيّة وفئويّة مختلفة ولكن تُغريها فكرة واحدة وهي وضع اليد على القطاع المالي الجديد بعد تصفير خسائره والتخلّص من المودعين ومن ثم إعادة إنعاش القطاع بالأموال التي هرّبت الى الخارج أو بإنتقاله من مجموعة مافياويّة الى مجموعة أخرى لا تقل إجراماً وتوحّشاً عن الأولى.
النظر الى هذه المستويات الثلاثة يضفي بعض الوضوح على الصورة، فنفهم بالتالي لماذا يتم شراء الوقت وتسريب الخطط المفخخة وما يرافق ذلك من تذويب مستمر للودائع ومحاربة للمودعين بكافّة الطرق والأساليب بهدف التخلّص من قضيتهم تمهيداً للسيطرة على القطاع أو فتح صفحة جديدة بلاعبين جدد وطبعاً لا أحد يريد عبء الودائع والمودعين.
هذه ليست نبذه عن رواية بوليسيّة أو قصّة خيال علمي. فمراجعة عكسيّة لأحداث السنوات الخمس الماضية ومحاولة قراءة الأزمة سوف تظهر وجود عدّة مستويات لما نعيش وتوضح الكثير من الأمور التي بدت غامضة في حينها. لكن ما نتوقّعه هو أن نرى أحداث هذه السنوات الخمس وقد تحوّلت الى أفلام ومسلسلات تلفزيونيّة على نتفليكس طابعها الأساسي أنها تدور حول صراع عصابات ومجموعات أشرار ومهووسين، مع غياب تام لأدوار الأبطال.
(*) خبير متقاعد في التواصل الاستراتيجي