ليزلوت أودغارد

"الناتو" غير مستعدّ لمواجهة تهديدات روسيا في القطب الشمالي

4 نيسان 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

مشاة البحرية الإيطالية خلال عمليات «المدافع الصامد 2024» | 10 آذار ٢٠٢٤

رغم مشاركة أعضاء «الناتو» في عمليات «المدافع الصامد 2024»، وهي أكبر تدريبات عسكرية يقودها الحلف منذ الحرب الباردة، من الواضح أن «الناتو» لا يزال غير مستعد للتصدي لقدرات روسيا العسكرية في القطب الشمالي. تمتد تلك التدريبات بين كانون الثاني وأيار، وهي تشمل أكثر من 90 ألف جندي في أنحاء المحيط الأطلسي، وتصل إلى القطب الشمالي، وتثبت أن «الناتو» يملك وجوداً دفاعياً قوياً وفاعلاً في المنطقة.

لكن عند التدقيق بقدرات دول القطب الشمالي (تنتسب كلها إلى «الناتو» باستثناء روسيا)، يبدو الواقع مختلفاً. اعتُبِر انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف حديثاً نقطة تحوّل محورية لردع روسيا شمالاً. لكن يعني قرب تلك الدول من شمال غرب روسيا أن تركيزها الاستراتيجي يصبّ في المقام الأول على منطقة بحر البلطيق، حيث نفّذت روسيا حشداً عسكرياً في اتجاه الجناح الشرقي لحلف «الناتو».

لا يملك أي عضو في «الناتو» سفناً مُعدّة لاختراق الجليد ومزوّدة بقدرات مضادة للطائرات والغواصات. أعطت الولايات المتحدة، وكندا، والدنمارك، وفنلندا، والسويد، الأولوية لتصميم قدرات خاصة بساحات أخرى مثل منطقة المحيطَين الهندي والهادئ وبحر البلطيق. في غضون ذلك، تكتفي أيسلندا، التي تفتقر إلى جيش دائم، بإدارة سفن خفر السواحل. تملك النروج من جهتها سفناً مدعّمة لخفر السواحل، لكنها ليست مُصمّمة لتنفيذ عمليات عسكرية.

في المقابل، تستطيع الغواصات الروسية النووية أن تطلق هجوماً ضد أميركا الشمالية، ويمكنها أن تتنقل من بحر بارنتس بين الدول الاسكندينافية، وسفالبارد، والنروج، وتمرّ تحت الجليد على طول ساحل شرق غرينلاند من دون أن يرصدها أحد. هذه العملية تترك فجوات كبرى في موقف «الناتو» الدفاعي. في الوقت نفسه، قد تكثّف روسيا تعاونها مع الصين في القطب الشمالي بسبب حربها المستمرة في أوكرانيا، بما في ذلك إطلاق تدريبات بحرية مشتركة وتعزيز التعاون بين عناصر خفر السواحل.

يُفترض ألّا يسمح «الناتو» بانهيار نظام الردع في القطب الشمالي نتيجة التركيز على مستوى قوته على طول جناحه الشرقي، بل يجب أن يتخذ الحلف العابر للأطلسي خطوات عاجلة.

كانت العقيدة البحرية الروسية في العام 2022 كفيلة بوضع منطقة القطب الشمالي على رأس الأولويات. ما بين الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم في العامَين 2014 و2019، بَنَت روسيا أكثر من 475 منشأة عسكرية في تلك المنطقة. كذلك، يشمل أسطولها الشمالي الواقع في بحر بارنتس حوالى ثلثَي القدرات الهجومية النووية التي تملكها البحرية الروسية، وتحظى تلك المعدات بحماية شبكة متعددة الطبقات من أجهزة الاستشعار، والأنظمة الصاروخية، وأنظمة الدفاع الساحلي، وتقنيات الحروب الإلكترونية، بما في ذلك الغواصات الاستراتيجية.

دقّ الأمين العام لـ»الناتو» ينس ستولتنبرغ، ناقوس الخطر في العام 2022، ومع ذلك يفتقر الحلف إلى استراتيجية واضحة في القطب الشمالي. يقتصر نطاق مسؤولياته في الوقت الراهن على «الشمال العالي»: يَصِف هذا المصطلح البسيط الأجزاء الخالية من الجليد في القطب الشمالي، وهو يشير إلى زيادة الخلافات داخل «الناتو» حول نطاق صلاحياته خارج شمال الأطلسي.

تزامناً مع ذوبان الأنهار الجليدية، بدأت بلدان إضافية من خارج المنطقة تهتم بالقطب الشمالي، ويجازف هذا الوضع بزيادة الزحمة في طريق البحر الشمالي وتشجيع روسيا على حماية نقاط المرور بمعقلها العسكري.

أثّرت نقاط ضعف روسيا في القطب الشمالي على تعاونها الاستراتيجي مع الصين. من جهة، تحتاج روسيا إلى تكثيف تعاونها مع بكين في مجالات مثل الرقمنة، والبنى التحتية، والاستخبارات، والمراقبة، والاستطلاع، لاستعمال الإمكانات الاقتصادية لطريق البحر الشمالي وحماية أصولها الاستراتيجية. ومن جهة أخرى، تنشغل روسيا بمتابعة السيطرة على ساحلها في القطب الشمالي.

من المتوقع أن تتعاون موسكو مع بكين شرط احترام هذا الخط الأحمر. من خلال تسهيل الوصول إلى المنشآت والموانئ الروسية، قد تتمكن الصين من استعمال قدراتها العسكرية في القطب الشمالي، بما في ذلك كاسحات الجليد والسفن شبه الغاطسة، لكن لا تهتم بكين كثيراً بالتحول إلى قوة عسكرية في المنطقة. أثبت التنسيق الاستراتيجي في آسيا الوسطى وشبه الجزيرة الكورية طوال عقود أن الصين تدرك منافع عدم إضعاف روسيا، حتى لو كانت بكين لا تحبذ أجندة موسكو الجيوسياسية دوماً.

رغم مخاوف الصين من حرب الاستنزاف الروسية في أوكرانيا وتعاونها العسكري والاستراتيجي مع كوريا الشمالية، تستفيد بكين من حفاظ موسكو على موقف قوي تجاه «الناتو»، لا سيما في القطب الشمالي، حيث يسمح أي وجود صيني دائم بفتح جبهة جديدة مع حلفاء واشنطن فيما تضطر بكين للتعامل مع نقاط ساخنة أخرى في جوارها.

يُعتبر خط الإمدادات الذي يمرّ بالمدخل المُهِمّ استراتيجياً نحو شمال الأطلسي بين غرينلاند، وأيسلندا، والمملكة المتحدة، طريقاً حيوياً قد تستعمله القوات الأميركية والكندية لنشر الإمدادات وإرسالها إلى شمال أوروبا في حال وقوع صراع عسكري مع روسيا. تستطيع موسكو في الوقت الراهن أن تعطّل ذلك الخط من دون تدخّل «الناتو»، لأن دول القطب الشمالي لا تملك القدرات اللازمة لرصد القوات الروسية الناشطة قبالة ساحل شرق غرينلاند وفي المساحة المائية المهمة استراتيجياً بين رأس الشمال، وجزيرة الدب، وصولاً إلى شمال جزيرة سبيتسبرغن.

يشدد هذا التفاوت على تراجع الميزانيات الدفاعية التي تملكها بلدان مثل النروج والدنمارك رغم مسؤولياتها الكبرى، بما في ذلك إدارة القطب الشمالي ومنطقة البلطيق واضطرار النروج لمراقبة الحدود البرية مع روسيا.

يفسّر هذا النوع من قيود الميزانية تردّد بعض الجهات في اقتناء قدرات مكلفة وتحمّل مسؤوليات يُفترض أن تقع على عاتق كلّ أعضاء «الناتو» في القطب الشمالي. لكن يسهل تفسير عدم استعداد كلّ الأعضاء لتكثيف استثماراتهم في القدرات التي يملكونها في القطب الشمالي: ركّز «الناتو» على إقناع الدول الأعضاء بإنفاق 2 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، ولا تُعتبر زيادة الاستثمارات في قدرات مثل السفن البحرية القادرة على اختراق الجليد شكلاً من المساهمات في الحد الأدنى من متطلبات القوة التي يحتاج إليها «الناتو». تحصل هذه التطورات كلها على حساب أمن القطب الشمالي، وهو عامل ستكون روسيا مستعدة لاستغلاله.

في ظل تصاعد التوتر مع روسيا، يجب ألا يتجاهل «الناتو» تهديدات موسكو في القطب الشمالي. لا يعني ذلك أن الحلفاء عبر الأطلسي يجب أن يشاركوا في حشد عسكري ضخم قد يستفز روسيا ويجعلها تطلق رداً عسكرياً. قد تعتبر روسيا عمليات حرية الملاحة التي تطلقها دول لا تحدّ المحيط المتجمد الشمالي، مثل المملكة المتحدة، وفرنسا، وإيطاليا، خطوة تصعيدية لتوسيع وجود «الناتو» من جانب دولٍ تفتقر إلى أسباب مشروعة لمراقبة القطب الشمالي.

قد تردّ الصين، التي تعتبر نفسها ضعيفة في القطب الشمالي، بقوة تفوق ما يتقبّله «الناتو». هذا الوضع يؤكد على ضرورة أن تتحمّل الولايات المتحدة، وكندا، والدنمارك، والنروج، مسؤوليات ردع إضافية في المنطقة عبر التركيز على المناطق المجاورة لأراضيها المستقلة.

يجب أن يتوصل «الناتو»، في عيده الخامس والسبعين، إلى اتفاق حول استراتيجية تناسب القطب الشمالي. في المقام الأول، يُفترض أن يراجع الحد الأدنى من متطلبات القوة ويقوم بتحديثها ويسمح للدول الأعضاء باعتبار تطوير القدرات الخاصة، مثل الفرقاطات القادرة على اختراق الجليد، جزءاً من مساهماتها لبلوغ أهداف «الناتو» المرتبطة بحجم الإنفاق. فيما يكثّف القادة الأميركيون الضغط على أعضاء آخرين في «الناتو» للالتزام بمستوى الإنفاق المطلوب على الدفاع (وصولاً إلى مطالبة تلك الدول بإلغاء استثمارات أخرى في مجالات مثل الرفاهية العامة)، يتراجع عدد الدول القادرة على تبرير أسباب تحمّل نفقات دفاعية لا تُعتبر جزءاً من الحد الأدنى لمتطلبات القوة.

بدا وكأن انتساب فنلندا والسويد إلى «الناتو» يقوي موقف الحلف في القطب الشمالي، لكن لا يزال الطريق طويلاً قبل أن يُحقق «الناتو» أهدافه في تلك المنطقة. يجب أن يرسّخ الحلف بصمته في القطب الشمالي لإضعاف موقف القوة العسكرية الروسية.

MISS 3