أحمد عياش

نهاد حشيشو خرج من "الشيوعي" ليدخل "الحزب"

16 آذار 2024

02 : 03

نهاد حشيشو

ما طرحه الكاتب والإعلامي نهاد حشيشو، في كتابه «نهوض اليسار اللبناني وذبوله: الحزب الشيوعي نموذجاً» (دار المهى للطباعة والنشر- بيروت 2023)، جدير بالقراءة. وكانت عبارته «سنوات الجمر والرماد» موفقة لكي يطل على عقود طويلة شارفت القرن. إذ إنّ عمر الحزب الشيوعي سيبلغ في 24 تشرين الأول المقبل المئة عام.



بداية، لا بد من الإشارة الى ان كتاب حشيشو هو مجموعة مقالات كتبها في العقد الأخير فضلاً عن الكتاب الذي أصدره بعنوان «قيادات وهزائم في مطلع العام 2007». ويقول حشيشو عن هذا الكتاب: «عرضت فيه مسار حياتي الشخصية وانتمائي الفكري للماركسية وانخراطي في مطلع شبابي في الحزب الشيوعي اللبناني وخروجي المبكر منه لعدم ثوريته». وهذا الامر يعني ان الكاتب اصبح منذ زمن في صف المنتقدين لهذا الحزب.

كان لافتاً في كتاب حشيشو اعتماده على «حوار غير منشور» جرى مع الأمين العام السابق للحزب جورج حاوي قبل اغتياله عام 2005. وفي مقطع من الحوار تحت عنوان «سأنتفض وأحلم»، قال حاوي: «تخيّلنا انه في الامكان الاستفادة من الزخم الفلسطيني احياناً، ومن الدعم السوري احياناً اخرى، لتحقيق برنامجنا الوطني الداخلي، واستسهلنا الانجرار وراء العنف الذي فرض علينا قسراً من دون ان نبذل جهداً لتفاديه...». وبدا واضحاً ان حشيشو وجد في ما قاله حاوي إثباتاً لكل مواقفه المنتقدة للحزب الشيوعي وسائر مكونات اليسار. وقبل عرض انتقادات الكاتب، يورد الأخير لمحات من زمن مبكر يعلي فيه من مكانة القائد الشيوعي فرج الله الحلو ( 1906-1959 ) الذي اغتاله النظام السوري اثناء وجود الحلو في دمشق. وفي ما خلا من هذا التقدير لهذا الزعيم بدا حشيشو في موقع غير راض على مسار الحزب منذ ستينيات القرن الماضي وحتى هذه الأيام. ثم تطوّر عدم الرضى هذا وربما اكثر عن اليسار اللبناني عموماً.

من عينات هذا الافتراق، ما ورد تحت عنوان «كيف هزم اليسار اللبناني نفسه ودوره الراهن»؟ كتب حشيشو: «قبل عام 1979، لم تكن القوى الطائفية الوطنية والحركات الإسلامية في لبنان تمثل على أرض ما اصطلح على تسميته المناطق المحررة من الوجود الانعزالي الطائفي المسيحي قوة جماهيرية خاصة في الجنوب اللبناني. كذلك في طرابلس والشمال، كانت الجماعة الإسلامية والقوى الإسلامية الأخرى محدودة التأثير وذات وجود متواضع. لكن مع نجاح ثورة إيران الإسلامية في شباط 1979 بدأ الوضع يتغير وجاء تغيره متدرجاً ومتعثراً، ولم يأت كموجة طاغية وحاسمة كما حصل في طهران وغيرها من المدن الإيرانية. ويمكننا رصد هذا التحول والتغيير تبعاً للأخطاء والصدمات والكبائر السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي قام بها ونفذها التحالف الفلسطيني - اللبناني تحت خيمة الصراع مع الشرعيتين الإقليمية واللبنانية».

ثم كتب حشيشو تحت عنوان «الحرب الأهلية اللبنانية: حتمية، مؤامرة أم مغامرة»؟ توصيفي هذه الحرب بأنها كانت «حرباً تداخلت فيها الأسباب، ما جعل محاولة حسم الصراع وكسر شوكة الفريق الانفصالي التقسيمي كان يمكن له أن يوفر سنوات من الحرب»، بالنسبة لي وبرأيي هذا هو بيت القصيد. فالحركة الوطنية برئاسة كمال جنبلاط التي دخلت هذه الحرب لفرض برنامجها الإصلاحي الذي كان باعتراف أصحابه إصلاحياً وليس ثورياً أعطيت المبرر كي تنفذه قسرياً وتحسم بقوة السلاح والاستقواء بالوجود الفلسطيني المسلح بقيادة «فتح» ومعها خليط متنافر الأهواء والأغراض من المنظمات الممولة والمنقادة من الأنظمة العربية».

ويبلغ الافتراق بين حشيشو وبين الشيوعي وسائر اليسار في موضوع المقاومة ضد إسرائيل. فهو تحت عنوان «لماذا عجِز اليسار عن الاستمرار في مقاومة إسـرائيل»؟ نوه بـ»مساهمة الحزب الشيوعي، كما منظمة العمل الشيوعي وغيرهما من قوى الحركة الوطنية، في مقاومة المحتل الإسرائيلي». واستدرك قائلاً: «إنّ الحزب، وبحدود أدنى المنظمة، لم يتمكّنا من استثمار هذا النضال على المدى البعيد. فبنيتهما المتهالكة ضُعفاً، وخطّهما السياسي العملي الاستراتيجي جعلاهما شبه مغيّبيْن عن مجتمع يتحوّل بمقاييس ومضامين جديدة، وقوى مستجدّة في إطار تنامٍ ملحوظ وسريع للتيارات الإسلامية، وانضباط الأنظمة العربية في حركيّتها». وشكك بـ»رواية طلب غازي كنعان من إلياس عطاالله مراقبة عمليات المقاومة ضد إسرائيل التي كان «الحزب» قد بدأها وطلب الإذن قبل الشروع بها».

وفي مقابل هذا التقليل من مساهمة الشيوعي واليسار في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي أشاد حشيشو بما «بدأه «حزب الله» وحركة «أمل»، في مواجهة العدو (1982- 1985). فـ»حزب الله» الذي ظهر منذ تأسيسه، فتياً، منظماً، وحديدياً في تكوينه وواعداً، شرع يغرف من بحر جماهيري، مستفيداً من تراكم كلّ الأخطاء والخطايا المرتكبة من قبل اليسار».



نهوض اليسار اللبناني



ويمضي حشيشو كاتباً: «هذا يوسف مرتضى يقول في «نداء الوطن» 20/6/2020 العدد 284: طلب منّي الرفيق جورج حاوي أن أدبّر له موعداً مع السيد حسن نصرالله، أمين عام «حزب الله»، وكان ذلك في ربيع 1998، كوني صديقاً لعضو المكتب السياسي في «حزب الله» الحاج محمد سعيد الخنسا، وذهبنا معاً والتقينا بسماحته، بحضور الأخ أبي سعيد. في هذا اللقاء، شرح جورج وجهة نظره حول أهمية تأمين الالتفاف الوطني حول المقاومة، وكي لا يكون تطييفها سبباً لانقسام اللبنانيين عليها، بدل أن تكون عامل توحيد لهم، واقترح جورج على سماحته التعاون لتشكيل مجلس أعلى للمقاومة برئاسة السيد نصرالله، وعضوية الرؤساء والأمناء العامّين للأحزاب التي شاركت في أعمال المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي في المرحلة السابقة بمشاركة بعض الأشخاص، منهم النائب جان عبيد والراحل نسيب لحود، بهدف تشكيل غطاء وطني للمقاومة. جواب السيد حسن نصرالله كان: هل يسمح السوريون بذلك؟». ويعلق حشيشو على ما كتبه مرتضى بقوله: «مهلاً... ولو! خذني بحلمك يا رفيق أقول وأعلّق: هل هذا معقول؟!... كانت المشكلة في السوريين، أم أنّ العيد انتهى والتحرير حصل بعد سنتين»؟ من «كشف الحساب» مع الحزب الشيوعي وسائر اليسار اللبناني، الى ربط «انفجار مرفأ بيروت الدراماتيكي وتداعياته « في 4 آب 2020 بما اسماه حشيشو «تنامي حدّة أزمات النظام الرأسمالي العالمي».

وقرأ نتائج الانتخابات البرلمانية الماضية 2022، في ضوء «ما تخلّلها من ترشيحات وفوز لقوى سُمّيت بالتغييريين الذين حسبوا على اليسار إثر انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، وهذا خطأ فادح».

هل من داع بعد ما قرأناه في كتاب حشيشو للقول ان مقابل كل النقد للحزب الشيوعي، كان هناك ود معلن مع «حزب الله»؟

MISS 3