رواد مسلم

"الناتو" والتحدّيات لتحقيق أهدافه

6 نيسان 2024

02 : 00

ستولتنبرغ متحدّثاً خلال مؤتمر صحافي في بروكسل أمس الأول (أ ف ب)

كان الهدف الرئيسي لمعاهدة شمال الأطلسي عام 1949 إنشاء ميثاق للتعاون المتبادل بين الدول الأعضاء لمواجهة مساعي الاتحاد السوفياتي لبسط سيطرته على أوروبا الشرقية وباقي أجزاء القارة والعالم، ومواجهة «حلف وارسو»، ويعدّ هذا الشكل التضامني هو قلب المعاهدة، والذي ترجمته المادة 5 منها المتعلّقة بالدفاع الجماعي والتي تنصّ على أنّه «إذا تعرّض أحد أعضاء الحلف لهجوم مسلّح، فإنّ هذا العمل سيعتبر بمثابة هجوم ضدّ كلّ الأعضاء وعليهم اتخاذ التدابير التي يرونها ضرورية لمساعدة الحليف الذي تعرّض للهجوم».

يتمتّع الحلف الذي يضمّ 32 دولة اليوم، بقدرات عسكرية هائلة لردع أي تهديد خارجي لأي دولة عضو، حيث يبلغ مجموع الجنود في كل دول حلف «الناتو» حوالى 5.7 ملايين جندي، 1.36 مليون منهم من الولايات المتحدة. وينتشر 7 آلاف جندي من قوات «الناتو» في كلّ من إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا وبولندا التي تعتبر الأكثر عرضةً للتهديد الروسي، وتنتشر فرقة من البحرية الأميركية من 300 جندي في النروج لمراقبة الدائرة القطبية الشمالية، التي تتشارك فيها الحدود مع روسيا.

يبلغ مجموع عدد طائرات الحلف العسكرية حوالى 20677 طائرة، 3400 منها مقاتلة، مقابل 4200 طائرة لروسيا. ويمتلك الحلف أصولاً بحرية منتشرة في العالم يصل عددها إلى 2151، مقابل 598 لروسيا. وفي عام 2023، أعلن الحلف زيادة عدد قواته التي يضعها في حال تأهب في أوروبا من 40 ألفاً إلى أكثر من 300 ألف، كما عزّز قواته الدفاعية في المنطقة الشرقية من أوروبا المتاخمة لروسيا بـ8 مجموعات قتالية متعدّدة الجنسيات.

أمام استخدام هذه القدرات تحديات عدة، أبرزها الدخول في حرب شاملة ضدّ روسيا، الأمر الذي يمكن أن يؤدّي إلى حرب عالمية ثالثة. والتحدّي الأكبر هو الإنفاق الدفاعي، خصوصاً من جهة الولايات المتحدة حيث يضغط الجمهوريون بقيادة ترامب لعدم زيادة الإنفاق الدفاعي على «الناتو» بشكل عام، وعلى أوكرانيا بشكل خاص، علماً أنّ واشنطن كانت تتحمّل العبء الأكبر من نفقات الحلف، لكن التغيير السياسي الأميركي نجح بدفع الحلف إلى إنشاء صندوق بقيمة 100 مليار دولار لدعم أوكرانيا عسكريّاً لمدّة 5 سنوات.

يعتبر الفكر الاستراتيجي لـ»الناتو» اليوم، روسيا، أكبر وأهمّ تهديد مباشر لأمن الحلفاء واستقرار المنطقة الأوروبّية - الأطلسية، كما ينظر إلى طموحات الصين وسياساتها المعلنة وسعيها إلى التحكّم في القطاعات التكنولوجية والصناعية الرئيسية وسلاسل التوريد والمواد الاستراتيجية، تحدّياً لمصالح دول الحلف وأمنها وقيمها، ووضعت ما يُسمّى «الإرهاب» بكافة أشكاله ضمن التهديدات المباشرة لهذا التحالف ولمواطني دوله.

إتفق الحلفاء في «الناتو» على أنهم سيهدفون إلى إنفاق 2 في المئة من إجمالي ناتجهم المحلّي على الدفاع ردّاً على انتزاع روسيا لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014، وتمّت زيادة هذا الهدف بعدما شنّت موسكو غزوها الشامل على جارتها في 2022 لتصبح نسبة 2 في المئة هي الحد الأدنى، بحيث تنفق العديد من دول أوروبا أعلى من 2 في المئة، مثل بولندا (3.9 في المئة) وإستونيا (2.73 في المئة)، وليتوانيا (2.54 في المئة)، وفنلندا (2.45 في المئة)، وألمانيا (2.54 في المئة) والمملكة المتحدة (2.07 في المئة). وتسهم الولايات المتحدة الأميركية بـ67 في المئة من الإنفاق العسكري المشترك، ويقدر إجمالي الإنفاق في عام 2023 بحوالى 1.1 تريليون دولار.

منذ بدء الحرب في أوكرانيا، شهد الحلف توافقاً كبيراً على ضرورة هزيمة روسيا ومنعها من الانتصار، وزادت نفقات الدفاع في العديد من دول الحلف الذي تمدّد على الحدود مع روسيا بانضمام فنلندا ومن بعدها السويد إليه. وقدّمت واشنطن مساعدات عسكرية لكييف تقترب قيمتها من 100 مليار دولار، منها مقاتلات «أف 16» التي يتدرّب على قيادتها الطيارون الأوكران، ودبابات «أبرامز إيه 1 أم 1»، وصواريخ «جافلين»، وراجمات الصواريخ المتعددة «أم أل آر أس» و»هيمارس» ومنظومة الدفاع الجوي المتوسطة المدى «باتريوت» وأعداد هائلة من الذخائر.

تعتبر التحديات المالية من أهمّ الصعوبات التي يواجهها «الناتو»، وربما تكون استراتيجية الجمهوريين دافعاً لتقوية الحلف، بحيث لا يُمكن أن تستمرّ الولايات المتحدة بدعم الحلف بنسبة تفوق مجمل مساهمات الدول الأخرى. لا يُمكن للحلف الاستمرار بالدفاع عن الدول الديموقراطية من دون واشنطن، ولا بدّ من أن تتحمّل الدول الأعضاء كلّها المسؤولية الدفاعية التي هي الهدف الأساسي لإنشاء الحلف.

MISS 3