جاد حداد

You Don’t Know Me... قضية من نوع آخر

6 نيسان 2024

02 : 00

تتعدد الأعمال التي تعرض قصصاً درامية عن محاكمات يلعب فيها الجمهور دور هيئة المحلفين. يدخل مسلسل You Don›t Know Me (أنتم لا تعرفوني)، المقتبس من رواية المحامي عمران محمود في العام 2017، في هذه الخانة. في التفصيل، يخضع شاب اسمه «هيرو» للمحاكمة بتهمة القتل. تشير معظم الأدلة الظرفية إلى ارتكابه للجريمة، وتبدو القضية بسيطة بشكل عام ويختصرها العمل في بيان ختامي واضح: دم الضحية موجود على أظافر يد «هيرو»، وسلاح الجريمة موجود في منزله، وشوهدت سيارته في المنطقة قبل إطلاق النار مباشرةً. انتهت القضية!

لكن يتألف المسلسل من أربع حلقات، ما يعني أن القضية لن تنتهي بهذه البساطة. بدل سماع المحامي وهو يتلو البيان الختامي دفاعاً عن موكّله، سنعلم أن «هيرو» طرد محاميه كي يتمكن من تمثيل نفسه وسرد قصته أمام هيئة المحلفين. هو مقتنع بأنه سيُدان في نهاية المطاف، لذا يقرر تجربة حظّه للمرة الأخيرة.

قبل تفسير الأسباب التي تُبَرّئه بالتفصيل، يقول «هيرو»: «في الحقيقة، أنا بريء. صدّقوني. أنا لم أقتل ذلك الفتى. لم أفعل».

كان «هيرو» يعمل في شركة فاخرة لتجارة السيارات في لندن قبل اتهامه بجريمة القتل، وهو رجل صالح يلتزم بالقوانين. لكنه يُحاكَم الآن بتهمة إطلاق النار على «جميل» وقتله. «جميل» تاجر مخدرات محلي تشاجر معه «هيرو» علناً. لكن سرعان ما يتّضح أن العلاقة بينهما كانت أكثر تعقيداً. هو يقول أمام أعضاء هيئة المحلفين إن «جميل» كان يسيء الكلام عن حبيبته «كيرا» التي يعتبرها شخصية رئيسية في هذه القضية.

سنعود بالزمن لمتابعة قصة حبه مع «كيرا» بالتفصيل، منذ البداية وحتى النهاية الفوضوية، انطلاقاً من مرحلة مغازلتهما في الحافلة وتناولهما للمافن بطعم التوت البري. إذا كانت هذه القصة مُعدّة كي يسمعها أعضاء هيئة المحلفين، قد يستنتجون في النهاية أن «كيرا» تحب القراءة بكل بساطة.

بعيداً عن المكتبة المبهرة في منزل «كيرا»، تبدو هذه الفتاة غامضة لأقصى حد. حين تختفي فجأةً من حياة «هيرو»، يحاول هذا الأخير الإبلاغ عن اختفائها، لكنه يدرك لاحقاً أنه لا يعرف شيئاً عنها مع أنهما يعيشان معاً منذ فترة. هو لا يعرف المدرسة التي تعلّمت فيها، ولا أسماء والدَيها، ولا سبب ظهور رجل غريب على باب بيتهما وإصرارها على الكذب حين نَفَت أنها تعرفه. تكشف رحلة إلى بلدة «كامدن» بعض التفاصيل المزعجة عن حياتها، فيستعمل صانعو العمل مونتاجاً تلفزيونياً كلاسيكياً صاخباً، حيث تكثر الصور المحطّمة وحركات الهرولة الغاضبة، بالإضافة إلى مشهد تقيؤ بسبب الإجهاد المفرط.

يخدم الأداء التمثيلي العمق الدرامي للقصة، فيضفي جو الغموض الذي يحتاج إليه المسلسل لرفع منسوب التشويق. انتقل الممثل سامويل أديونمي من مسلسل Angela Black كي يلعب دور البطولة في هذا العمل، وهو يقدّم هذه المرة خليطاً مقنعاً من المثالية والعيوب. كذلك، تؤدي باكي باكراي، التي اشتهرت في فيلم Rocks (الصخور)، دور شقيقته «بليس»، بينما تجسّد صوفي وايلد دور «كيرا».

بعد مرور 45 دقيقة على بدء المسلسل، تبدأ الأحداث الدرامية بتطوير أجواء مشوّقة أخيراً، فيخبر «هيرو» أعضاء هيئة المحلفين بأنه ارتكب بعض الأمور السيئة ويقول: «ستسمعون الكثير عن تلك الأعمال على مر المحاكمة». لا تعكس هذه العبارة استراتيجية دفاع ممتازة ولا تفسّر السبب الذي جعلنا نسمع أن والدة «هيرو» كانت معجبة بحبيبته في معظم فترات الحلقة، لكنها تطلق الخط الدرامي الأساسي أخيراً.

يمرّ وقت طويل قبل بلوغ هذه المرحلة، لذا قد يشعر الجمهور بالإرهاق والملل باعتباره العضو الثالث عشر من هيئة المحلفين. كما يحصل في الكتاب الأصلي، يشكّل كلام «هيرو» المطوّل أساس الجانب السردي من القصة عبر تعليقه الصوتي المتواصل، فنشعر في لحظات معينة بأننا نسمع كتاباً صوتياً تُضاف إليه صور متحركة.

هذه الأجواء لا تناسب الأعمال التلفزيونية، ولا تنجح الحلقة الأولى من المسلسل في سدّ الفجوة بين الأساليب التي تتماشى مع الروايات والمظاهر التي يُفترض أن تُعرَض على الشاشة. مع ذلك، تتعدد العوامل الواعدة التي تنذر بتغيّر الأسلوب بعد سلسلة من الأحداث. بعد تجاوز مرحلة المجاملات والتفاصيل اللطيفة، يستطيع «هيرو» أن يبدأ بكشف ألغاز القضية المرفوعة ضده... على أمل أن يتحلى أعضاء هيئة المحلفين، بما في ذلك الجمهور في منزله، بالصبر الكافي لمتابعة المشاهدة حتى النهاية.

MISS 3