ريتا ابراهيم فريد

بتوقيع المُخرج جوليان معلوف

"خان الذهب - البداية"...القيم والعادات في مقاربة شبابية

6 نيسان 2024

02 : 05

لقطة من المسلسل

ببراعة لافتة، تتنقّل كاميرا المُخرج جوليان معلوف في مسلسل «خان الذهب - البداية»، وتلتقط اللحظة بجمالية خاصة.

معلوف الذي ثبّت اسمه في عالم الإخراج عبر بصمة مميزة تركها في أعماله، (من بينها مسلسل «بالقلب»- كتابة طارق سويد، «خرزة زرقا» - كتابة كلوديا مرشليان، و»مش أنا» - كتابة كارين رزق الله)، اعتاد أن يولي اهتماماً خاصاً بالمشاعر والانفعالات لشخصيات العمل. وفي «خان الذهب - البداية»، أتقن بحرفية عالية توثيق تقلّباتهم النفسية والتقاط لحظات الفرح والقلق والغضب والنصر والإنكسارات، من خلال عدسة مدير التصوير حسن سلامة.

«خان الذهب – البداية» دراما عراقية تُعرض خلال شهر رمضان المبارك، من بطولة سامي قفطان، أميرة جواد، طه علوان، حافظ لعيبي، عزيز خيون، غسان اسماعيل، رويدة شاهين، سيف الشريف، أميمة الشكرجي، أحمد الخفاجي، سارة البحراني، نور مازن، مع نخبة من الممثلين العراقيين، والمسلسل من كتابة محمد حنش.

لا بدّ من الإشارة الى أنّ قصة «خان الذهب» بجزئه الأول (عُرض في رمضان الماضي)، تدور حول الخلافات على الثروة بين سالم وأمير، ابني الحاج سامي الذي يمتلك متجراً كبيراً للذهب. وتتصاعد الأحداث بالترافق مع جرائم ومكائد تتّخذ لها شكلاً شبيهاً بصراع الخير والشرّ. ويتطرّق المسلسل بشكلٍ خاص الى مسألة الطمع الذي يحوّل الإنسان الى مجرم قد يصل الى حدّ قتل أقرب الناس إليه للاستحواذ على المال.

غوص في ماضي الشخصيات

المسلسل الذي استُكمل بجزءٍ ثانٍ هذا العام، عاد بمسار القصة الى مرحلة سابقة قبل سنوات قليلة من أحداث الجزء الأول. الأمر الذي أتاح للمُشاهد بأن ينغمس في تفاصيل الشخصيات التي أحبّها، فيكتشف ماضيها وتاريخها ويستحضرها من جديد، خصوصاً أنّ عدداً منها توفي في سياق أحداث الجزء الأول.

وهُنا كانت الخطورة في أن يقع العمل في فخّ الملل وغياب عنصر التشويق، كون أحداث المستقبل معروفة. لكنّه نجح في تجاوز ذلك من خلال تقديم سردٍ سلسٍ مع شخصيات جديدة، ترافقت مع أحداثٍ ارتبطت بشكلٍ مباشر بأحداث الجزء الثاني، فقدّمت أجوبة على تساؤلات كثيرة، وساعدت المُشاهد على أن يربط في ذهنه أحداثاً معيّنة. بالتالي بدت العودة الى الماضي في هذا الجزء الجديد، فكرة جيدة.

دفء عائليّ

يتميّز «خان الذهب - البداية» بواقعيّته. حوار بسيط وعفوي، يحاكي الشباب العربي في تحدّياتهم وهواجسهم ويومياتهم داخل الكلية والعمل، ويسلّط الضوء على مشاكلهم مع أهلهم وصراع الأجيال.

هذا ويفرد العمل مساحة كبيرة للدفء العائلي والإلفة. فلن تشعر بالغربة وأنت تشاهده. شخصياته تشبهنا الى حدّ كبير. والمُشاهد قد يتماهى بكلّ سهولة مع إحداها، فيحدّد نقاط التشابه بينه وبينها، وقد يصل بتعاطفه مع الأبطال الى حدّ يجد نفسه بات جزءاً من العمل. يبرّر لهم حيناً، ويغضب منهم حيناً آخر. وقد يتساءل بينه وبين نفسه كيف كان سيتصرّف لو تعرّض لمواقف مشابهة.

بعيداً عن التصنّع

إلى جانب ذلك، يستحضر «خان الذهب - البداية» القيم التي نشأنا عليها، مقدّماً إياها عبر مقاربة شبابية. يتعمّق في مسائل الحلال والحرام. يعيد تذكيرنا بعاداتنا الجميلة التي تشدّد على احترام الأهل، الشهامة في التعاطي، الكرم، الصداقة، الوفاء، الغفران... ويعكس صورة المجتمع العراقي بعاداته وتقاليده التي لا تبعد بجوهرها عن القيم الإنسانية في مجتمعاتنا العربية بشكلٍ عام.

مع الإشارة أيضاً الى أنّ المسلسل يجسّد التعايش الصادق بين أديان مختلفة. فنرى صداقة متينة بين أم سالم المسلمة وأم عذراء المسيحية. لكنّ اللافت أنّ العمل صوّر ذلك ببساطة وعفوية، بعيداً عن المبالغة. وبذلك يسجّل نقطة قوة للإخراج الذي نجح في الإبتعاد عن التصنّع والصور النمطية في تصوير شكل العلاقات الإجتماعية بين الشخصيات.



المخرج جوليان معلوف



كما يقدّم العمل خليطاً لطيفاً يجمع بين الكوميديا والتراجيديا، ضمن مواقف طريفة خالية من الإبتذال، مقابل مواقف قاسية وحزينة تعاطفنا معها بشدة (مثل مشهد موت الحاج أحمد).

وبين الأداء المبهر للنجوم العراقيين المخضرمين، والحضور اللافت للمواهب الشابة، بات «خان الذهب - البداية» عملاً اكتملت فيه عناصر النجاح من الكتابة الى الإخراج والأداء، بملامح فنية عراقية قديرة، وتوقيع لبنانيّ مميّز.

*خان الذهب - البداية: يُعرض يومياً على قناة MBC عراق، ومنصة «شاهد»







MISS 3