جيمي الزاخم

حصاد دراما رمضان.. الإنتقام سيّدُ الشّاشة

23 نيسان 2024

02 : 05

الإنتقام طبق دائم على المائدة الرمضانية

لطالما كان الانتقام أرضاً خصبة استثمرها صنّاعُ الدراما والسينما. زرعوها. رشّوا الأحداث سماداً. حصدوا المواسم. حملوها على عربات الشاشات. وجذبوا جماهيرَها. ففي المسلسلات، الانتقام فعلٌ دائم في الزمن الماضي، الحاضر والمستقبل. يدخل على الجملة الرمضانية، يرفع الفاعل البطل المنتَقِم. وينصب المنتقَم منه.



يأتي الانتقام في طليعة الحبكات الدرامية. في كتابه الصادر أواخر القرن التاسع عشر، عدّد الكاتب الفرنسي جورج بولتي هذه الحبكات. وصنّفها ضمن ستٍّ وثلاثين «تيمة» (من theme). من ضمنها: انتقام بعد جريمة أو حادثة، أو انتقام ضمن عائلة تختلف على الميراث. فتنطلق رحلات السيناريو. تخلق أبطالاً. يقفزون بين حبلَي الغاية والوسيلة. يتعثّرون بصراعاتهم الظّاهرة والباطنيّة. ووفقاً لإشارات السير على الورق، يتابعون مصيرَهم ومسارَهم. إمّا يصلون إلى برّ النجاح. وإمّا يسقطون عن صهوة الأحداث. ويتابعون انتقامهم زحفاً بين حفرٍ درامية، وسطَ رمالٍ غير متحرّكة.

في هذا الموسم، وبعد غياب 4 سنوات، تعود النقيب سما عقل (نادين نجيم) بجزء ثانٍ في مسلسل «2024». وصل في المنتصف الثاني من رمضان. بعد تهديدٍ بأمومتها، تشارك لؤي (محمّد الأحمد) في الانتقام من الغول (رفيق علي أحمد) الذي قتل والدَه ناظم. انتقلنا من الحارة الشّعبية إلى مدينة اسطنبول مع دراما الحركة. عالم مخدّرات، عصابات ومطاردات بنكهة الانتقام ورائحة الدمّ. قانونٌ يُنتهك ويعود ليتسيّد، بعد رياح تشويق هبّت لكنّها همدَت.

المسلسل الثاني ضمن خانة الدراما المشتركة هو «عَ أمل». تتقدّم على الانتقام خطوطٌ لمعت أكثر. مع أنّ انتقام نيبال (مهيار خضّور) يحرّف ويقرّر مساراً ويهدم مصيراً. عواصفه مكتومة. لا تُزمجر أو تواجه. يطبخ سمومَ خطّته على حطب أخضر. الآثار النفسية للمنتقِم كانت تحتمل توسّعاً بنزلات برده وحقده في مسلسل عن نساء من عائلة يحكمُها «سيف» الظلم والعادات. يستغلّ ويستلّ الانتقام هذا «السيف». يطعن به ضحكات تخبّئ جثث أحلام تُعصر كحبّات زيتون مرّ وجافّ.

أمّا في الدراما السورية، فالانتقام منجمٌ في مسلسل»ولاد بديعة»: سكّر، مختار، ياسين وشاهين (سلافة معمار، محمود نصر، يامن الحجلي وسامر اسماعيل) يُشعلون براكينَ لم تهمدْها السّنوات. منذ الطفولة، الصراع قائمٌ بين مختار والثلاثة الآخرين على حضن أب وشرعيّة اسمٍ. بين حريق وتزوير، ينطلق النّص نحو انتقامات بالجملة. الدمُ يُخلّف الدّم. حقبة تورث حقبة. وتولّد شخصيات بأصوات وأثواب متعدّدة على طريق طويل لم تخلُ من المَتاهات والتبدّلات مع دراما العبث في مجتمع يحكمه العنف. ينطلق النّزاع في محطة قطار عاطلة عن الحياة. وينتهي فيها. حياتنا قطارٌ يسير. إلّا أنّ آثار الماضي لا تُمحى عن مقاعده. نُنكرهُ تارةً. ونلوذ به طوراً.

وفي الحارة الشامية، قصة فانتازيّة بجزء ثانٍ من مسلسل «العربجي». صراعٌ عائليّ - طبقيّ. انتقام يحكم على حارة وحياة تملؤها جرائم ودوافع وصلت من الجزء الأول. بين عبدو العربجي (باسم ياخور) وآل النشواتيّ، ثأر وعقاب في مسلسل تحسّن إيقاعه بعدما بدأ خافتاً. أداء تلوّث بدماء ملأت وأضرمت الشاشة. لكنّها تُمسَح بفوطة. ولا تترك بصمات. لا تتغلغل في الوجدان كما تغلغلت حبّات القمح في الصراع، وطُحنت مع هموم وسلطةٍ ونفوذ.

في مسلسل «أغمض عينيك». لم يكن الانتقام نجماً. انتظرْناه. وصل في الحلقات الأخيرة. حياة (أمل عرفة) تعود لتنتقم من سليم (محمد حداقي) الذي ورّطها وسجنَها. تريد إثبات براءتها في عيون ابنها الذي تركته طفلاً مع مؤنس (عبد المنعم عمايري). حوّله من طفل يعاني من طيف التوحد إلى شابّ مبدع استثنائيّ. الانتقام هو النقطة الأضعف في مسلسل نجح ببساطته. أوقد الإنسانية. ووزّع الدفء. تكلّل بعدالة حقّقتها حياةٌ. رغم أنّ الحياةَ، مع ألف التعريف والتعذيب، لا تفتح دوماً كفّي ميزان عدالتها لِطالبيها.

ختاماً، نصل إلى مصر. تاريخُها السينمائي والدراميّ حافلٌ بقصص عن الانتقام. مستويات متفاوتة. منطق ولا منطق. صيغٌ مختلفة. دمٌ ساخن متأجّج، أو بارد هادئ. يصبغ قلقاً، توتّرات واضطرابات صحّية ووجدانية. من هذا الموسم، اخترنا ثلاثة أعمال. لم تقترب من فحوى وأهميّة جَدّاتهِا وشقيقاتها في التاريخ الدراميّ والسينمائيّ:

في «بيت الرفاعي»، الانتقام بين أولاد العمّ. شجرة العائلة لا تحتمل جذعين. بعد قتل والده وإلصاق التهمة به، ياسين (أمير كرارة) ينتقم من ابن عمّه فاروق (أحمد رزق) ووالده عبد الحميد (سيد رجب)،. يهرب من السجن. تبدأ سلسلة معارك، حصار، خيانات، سطو على آثار وممتلكات، وتهديدات بمطرقة شرّ ظهر كلاسيكيّاً على صعيد القصة وملامحها، والأدوات التمثيلية ومسامِها. أمّا غادة عبد الرازق، فدخلت الموسم في سبيل «صيد العقارب»: عايدة عالمة حشرات. يضعها والدها على رفّ التجاهل في شركته. لأنها وُلدت أنثى. أمام موت وحيده على يد ابن شريكه، يضع في عهدة ابنته مسؤوليةَ إدارة الشركة وتحصيل حقّ شقيقها. الانتقام يلعب أيضاً وأيضاً بِكُرةِ الحوادث، المخدّرات، وفضح العلاقات للوصول إلى القاتل. وبين المسلسليْن الثّلاثينيَين، يحضر «نعمة الأفوكاتا» بنصف عدد الحلقات. نعمة أبو علب (مي عمر) تقرّر وتخطط للانتقام من كل من أراد محوَها عن وجه النبض والأرض. قصاصٌ يَسير على دواليب. يستخدم كلّ الوسائل الممكنة وصولاً للحكم بالإعدام على زوجها. مدٌّ طويل وجزرُ أحداث مفصليّة غابت عنها المبرّراتُ الدرامية. فتسّقلت الأحداثُ دواليَ عناقيد من مصادفات تكرّرت وازدحمت.

ازدحم وسيبقى مزدحماً الجدار الرمضاني بأعمال الثّأر والانتقام. هو طبقٌ درامي إمّا نستلذّ به. نُعيد تناوله. نسأل عن الوصفة وأسرارها. وإمّا نضع الوجبة جانباً، لأنها تخلو من الدسم الدراميّ. أو ربّما كانت نار الطهي قويّة فأحرقت الطبخة. أو أبادت بهاراتٌ كثيرة المذاقَ الأصليّ. مرمرت الطعمَ وسوّدت وجه أصحاب البيت الدراميّ. بعضهم يستوعب. يصحّح. أمّا بعضهم فيشكّك بضيوفه. يتجاهلهم. ويُكمل وجبتَه بمفرده.

MISS 3