جاك ديتش

إسرائيل قد تردّ على إيران بثلاث طرق

17 نيسان 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

إعتراض الصواريخ التي تم إطلاقها من إيران في تل أبيب | 14 نيسان ٢٠٢٤

أعلن الإسرائيليون وشركاؤهم أنهم أسقطوا أكثر من 99 في المئة من مئات الطائرات المسيّرة والصواريخ التي أطلقتها إيران في اتجاه إسرائيل في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، ومع ذلك يُصِرّ القادة الإسرائيليون على اضطرارهم للردّ على الهجوم. فيما تدعو حكومة الحرب الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو إلى إطلاق رد سريع، يحضّ الخبراء الإسرائيليين على عدم الاستعجال في اتخاذ هذا القرار. يقول جوناثان لورد، مسؤول دفاعي أميركي ومساعِد سابق في الكونغرس يدير راهناً برنامج أمن الشرق الأوسط في «مركز الأمن الأميركي الجديد»: «يجب أن تردّ إسرائيل على الأرجح، لكن لا شيء يبرر إطلاق ردّ فوري. لا داعي للاستعجال».

الخيار الأول: مهاجمة برنامج إيران النووي

تَسارع برنامج إيران النووي منذ أن انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي قبل ست سنوات تقريباً. لا يمكن التأكيد على استئناف تصنيع الصواريخ ذات القدرات النووية من الجانب الإيراني، لكن إذا قرر البلد أن يُصنّع سلاحاً نووياً، قد تتمكن طهران من صنعه خلال بضعة أشهر، بحسب رأي كبار المسؤولين الأميركيين في السنة الماضية. لهذا السبب، تبدو المنشآت النووية الإيرانية هدفاً جاذباً للإسرائيليين، مع أن هذه الخطوة تعكس أعلى درجات التصعيد.

لكن قد تعني مهاجمة برنامج إيران النووي مباشرةً إنهاء التحالف الخاص بين الدول العربية. حتى أنها قد تجرّ عملاء إيران إلى مواجهة مباشرة وأكثر شراسة مع إسرائيل برأي الخبراء. وبما أن الولايات المتحدة أعلنت منذ الآن أنها لن تدعم أي هجوم مباشر على إيران، يجب أن يمتنع الإسرائيليون عن إثارة غضب أهم بلد يزوّدهم بالأسلحة خلال هذه السنة الانتخابية المهمّة بالنسبة إلى الرئيس جو بايدن.

تعليقاً على الموضوع، يقول بلال صعب، محلل في معهد «تشاتام هاوس» في لندن ومسؤول دفاعي أميركي سابق: «بدأنا نلاحظ منذ الآن بعض التوتر بين الأميركيين والإسرائيليين. آخر ما يريده الإسرائيليون إذاً هو خسارة الأميركيين في هذه المرحلة الخطرة والدقيقة».

الخيار الثاني: إستهداف القادة أو الجنود الإيرانيين أو المواقع الإيرانية داخل إيران وخارجها

قد تضرب إسرائيل مواقع غير مرتبطة مباشرةً بالبرنامج النووي في الأراضي الإيرانية، فتستهدف مثلاً قائداً عسكرياً رفيع المستوى، مثل الجنرال أمير علي حاجي زاده، قائد القوات الجوية والفضائية التابعة لـ»الحرس الثوري» الإيراني، علماً أنه كان العقل المدبّر وراء الهجوم الأخير بالصواريخ والطائرات المسيّرة.

كذلك، قد تطارد إسرائيل المواقع العسكرية أو مستودعات الأسلحة داخل البلد، أو حتى مقرّات «الحرس الثوري» الإيراني. يقول مسؤول الدفاع الأميركي السابق مايكل مولروي: «سيختار الإسرائيليون على الأرجح الرد مباشرةً في إيران، مع أن الولايات المتحدة قد تحاول منع هذه الخطوة لاحتواء الأزمة ومنع توسّعها».

لكن قد تتوق إسرائيل إلى الردّ عبر إطلاق حملة اغتيالات ضد قادة «الحرس الثوري» الإيراني الموجودين خارج إيران، في بلدان مثل العراق وسوريا. حتى أنها قد تنفّذ عملية مشابهة للضربة التي استهدفت مقر القنصلية الإيرانية في سوريا في 1 نيسان، وأسفرت عن مقتل الجنرال محمد رضا زاهدي، قائد «فيلق القدس» التابع لـ»الحرس الثوري» الإيراني في لبنان وسوريا، بالإضافة إلى نائبه وخمسة ضباط آخرين. إنه الهجوم الذي أطلق دوامة التصعيد الراهنة بين إسرائيل وإيران.

لكن أثبتت الهجمات الانتقامية في نهاية الأسبوع الماضي ارتفاع مخاطر التصعيد في إسرائيل عبر مطاردة القادة العسكريين الإيرانيين داخل الأراضي الإيرانية أو خارجها. سبق واتّضحت هذه النزعة أيضاً في الضربات الإيرانية بالصواريخ الباليستية ضد القواعد العسكرية العراقية التي شملت قوات أميركية، في كانون الثاني 2020، رداً على مقتل قائد «فيلق القدس» السابق قاسم سليماني على يد الأميركيين.

لكن قد يسمح قتل أي شخصية رفيعة المستوى لإسرائيل بانتظار الوقت المناسب للرد، فتمرّ أسابيع أو أشهر قبل إطلاق أي عملية. قد لا يحظى نتنياهو بدعم إدارة بايدن لشنّ هذا النوع من الهجوم، ومع ذلك يكفي على الأرجح توجيه رسالة رادعة إلى إيران من دون تخريب العلاقات مع واشنطن.

خلال حدث من تنظيم المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي يوم الإثنين الماضي، قال فرانك ماكنزي، جنرال متقاعد من مشاة البحرية الأميركية ترأس القيادة المركزية الأميركية بين العامين 2019 و2022: «الجيش الإسرائيلي يحب الفوز، لكنه لا يحبذ النصر المبني على الدفاع».

مع ذلك، قد تفشل أي عملية تهدف إلى مهاجمة قائد مثل حاجي زاده أو أي منشأة تابعة لـ»الحرس الثوري» الإيراني. ربما تستلزم الظروف تنفيذ العملية خلال الليل. وبعد اعتداءات الأسبوع الماضي، فضّل عدد كبير من القادة العسكريين الإيرانيين الاختباء على الأرجح. يوضح ماكنزي: «في الوقت الراهن، أصبحت إيران في أعلى درجات التأهب». في غضون ذلك، قد تمنع الضغوط التي تفرضها الولايات المتحدة ودول أخرى لتهدئة الوضع إطلاق أي رد سريع.

يضيف بلال صعب: «لقد اتخذنا خطوة استباقية وسارعنا إلى الاستعانة بمجلس الأمن في الأمم المتحدة، وأجرى الرئيس بايدن مكالمة هاتفية سريعة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي لإخباره بأننا لا ندعم الرد على الهجوم. يُفترض أن يُخفّض هذان العاملان احتمال إطلاق ضربة إسرائيلية أكثر عدائية ضد إيران في الوقت الراهن».

الخيار الثالث: إستهداف عملاء إيران أو إطلاق هجمات سيبرانية ضد إيران

إذا كان القادة الإسرائيليون قلقين من تصاعد التوتر مع إيران، قد يختارون رداً أقل حدّة، فيستهدفون عملاء إيران في الشرق الأوسط، أو يشاركون في هجمات سيبرانية ضد إيران تزامناً مع محاولة إثبات تفوّقهم الإقليمي.

بعد فشل معظم الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية في ضرب الأراضي الإسرائيلية في نهاية الأسبوع الماضي، قد تشكّل أي إهانة أخرى في المنطقة ضربة جديدة لصدقية طهران على الساحة الدولية.

يوضح ماكنزي: «تعرّض الإيرانيون لإحراج كبير. إسرائيل هي الأقوى اليوم، وإيران هي الأضعف. إذا أصرّ الإسرائيليون على اتخاذ خطوة معيّنة، يُفترض أن يهدف أي تحرّك مرتقب إلى ترسيخ تفوّقهم التكنولوجي على إيران. يجب أن يختاروا تحركاً قادراً على إحراجهم».

يُعتبر «حزب الله» أقرب وأهم حليف لإيران في المنطقة. سبق وتبادلت إسرائيل الضربات مع هذه الجماعة في لبنان خلال الأشهر الستة الماضية، لكنها قد تقرر إطلاق حملة عسكرية أكثر عدائية ضد «حزب الله».

لكن تحمل هذه الخطوة بعض المخاطر على إسرائيل. منذ هجوم حركة «حماس» في 7 تشرين الأول 2023، حاول «حزب الله» تجنّب الانجرار إلى حرب شاملة مع الإسرائيليين. لكن إذا قرر «الحزب» خوض حرب من هذا النوع، يظن الصحافي دانيال بايمان من صحيفة «فورين بوليسي» أن هذه الخطوة تشكّل تصعيداً خطراً: تتفوق ترسانته المؤلفة من أكثر من مئة ألف صاروخ على ترسانة «حماس»، ويتمتع مقاتلوه بخبرة واسعة في ساحات المعارك ويتلقون تدريبات مكثفة. لا شك في أن «حزب الله» سيتكبّد خسائر كبرى، لكن ستتحمّل إسرائيل أيضاً تكاليف مشابهة.

بعدما اتخذ الإيرانيون خطوة تاريخية حين قرّروا ضرب إسرائيل من أراضيهم مباشرةً، وهو قرار لم يسبق أن اتخذته طهران يوماً، قد يواجه نتنياهو ضغوطاً كبرى من المتشددين في حكومة الحرب التي يرأسها لإطلاق رد أقوى. يوضح لورد: «إذا أطلق الإسرائيليون هذا التحرك فوراً واعتُبِر غير كافٍ، قد يضعهم الكثيرون في خانة الضعفاء».

وفق معلومات مسؤول عسكري أميركي بارز، استعملت إيران عدداً كبيراً من الأسلحة خلال هجوم يوم السبت ضد إسرائيل، فأطلقت أكثر من مئة صاروخ باليستي متوسط المدى، وأكثر من ثلاثين صاروخاً جوالاً للهجوم الأرضي، وأكثر من 150 طائرة مسيّرة هجومية في اتجاه إسرائيل.

كذلك، يقول ماكنزي، رئيس القيادة المركزية الأميركية السابق: «اضطرت إيران لإخراج تلك الصواريخ (نُسَخ خاصة ذات نطاق يكفي لمهاجمة إسرائيل) من المخازن، فاستنزفت كمية كبيرة من ترسانتها من أجل حرب إقليمية محتملة. بلغت تلك الجهود أعلى المستويات على الإطلاق. لقد أهدروا معظم صواريخهم الباليستية لمهاجمة إسرائيل».

لكن تتعلق مشكلة أساسية في رد إيران على الإسرائيليين عبر استعمال أسلحتها الخاصة بافتقارها إلى قاذفات الصواريخ. يظن ماكنزي أن الإيرانيين لا يملكون أكثر من 300 قاذفة صواريخ لإطلاق هذا النوع من الاعتداءات، ما يعني أن طهران ستواجه مأزقاً كبيراً إذا قررت يوماً أن تخوض صراعاً واسعاً في المنطقة.

تستفيد إسرائيل أيضاً من بُعدها الجغرافي، إذ تقع حدودها على بُعد أكثر من 1100 ميل من بعض نقاط إطلاق الصواريخ التي استعملتها إيران في نهاية الأسبوع الماضي. يوضح لورد: «يتراجع احتمال أن تعود إيران وتكرر العملية نفسها مجدداً يوم الأربعاء المقبل».

لكن قد يملك الإيرانيون قدرات هائلة لصدّ أي هجوم إسرائيلي، منها دفاعات جوية وصاروخية متطورة تقنياً وروسية الصنع. يضيف صعب من معهد «تشاتام هاوس»: «لن تنافس هذه المعدات الطائرات المقاتلة التي يملكها الإسرائيليون من الجيل الخامس، لكن لا يمكن الاستخفاف بنظام الدفاع الجوي الإيراني. هو لا يشبه شبكة الدفاع الجوي السوري مثلاً».

لكنّ الخوف من وقوع أسوأ السيناريوات المحتملة قد يدفع كبار القادة على طرفَي الصراع إلى إطلاق ردود أقل من مستوى قدراتهم. في النهاية، يتساءل ماكنزي: «ما الذي يتوقّعه الإيرانيون مثلاً لو أنهم قتلوا 500 إسرائيلي، أو فجروا طائرات «أف 35»، أو قرروا استهداف كنيس يهودي؟ أنا شخصياً أعرف طبيعة الرد الإسرائيلي على تحرّك مماثل، ويُفترض أن يعرف الإيرانيون ما ينتظرهم أيضاً».

MISS 3