نوال نصر

الجمارك تجاوزت صلاحيتها وهيئة القضايا أهملت

لماذا غضّت الدولة الطرف عن عنبر النيترات؟

8 آب 2020

02 : 00

القاضي جاد معلوف

دخلنا في الدرك الأسود، في الفترة الأكثر ظلمة وظلامة، حيث الكلّ، كل من ظنّ نفسه فوق كل الشبهات، يحاول أن يتملص من نكبة بيروت ويرمي التهم على سواه. ومن بين الأسماء التي جرى تناقلها اسم قاضي الأمور المستعجلة جاد معلوف الذي قيل أن المدير العام للجمارك بدري ضاهر طالبه بكتبٍ متتالية بإلزام الوكيل البحري إعادة تصدير المواد الخطيرة الموجودة في مرفأ بيروت لكنه لم يفعل. فهل هذا بالفعل ما حصل؟ ولماذا امتنع القاضي عن ذلك؟ فلنبحث، على أصداء صوت الشباب وهم ينادون: ثورة زعران حقيقة...

في القصة الكاملة، أن القاضي معلوف الذي تميّز بنوعية القرارات الجريئة التي أصدرها "مع الضعفاء"، مع عاملات المنازل الأجنبيات واللاجئين السودانيين، وضدّ التمييز العنصري، ومع طلبات تسجيل الزواجات المدنية، قد تلقى من الجهة المستدعية، الدولة اللبنانية وزارة الأشغال العامة والنقل، بموجب قرار رقمه 429/2014 طلباً بإنجاز "تعويم السفينة phosus كي لا تشكل أي مساس بالملاحة البحرية وخطراً عليها، والترخيص لها بنقل المواد المشحونة على متنها نظراً لخطورتها على البيئة، الى مكان أمين وتأمين حراستها، والترخيص عند الإقتضاء، وبعد انتشال السفينة والمواد التي على متنها ببيع هذه السفينة". وهذا ما فعل، معتبراً ان دوره انتهى هنا.

لكن ألم يسأل ماذا تحتوي هذه المواد الخطيرة؟ ألم يراجع وزارة النقل؟ يبدو أن الدولة اللبنانية أرسلت الكتاب وصمتت. وبعد حين بدأت ترد القاضي الكتب من الجمارك اللبنانية بالترخيص ببيع البضائع أو إعادة تصديرها. وهو ردّ على الكتب كتابياً بالقول إن الجمارك ليست طرفاً في مخاطبته "فالجمارك لا يمكنها مخاطبة المحكمة". فدور القاضي كان الترخيص برفع الباخرة من المياه ووضع محتوياتها في المكان الملائم. لكن الجمارك أصرت على مراسلته والدولة (مثل العادة) غابت". اللهمّ إني بلغت، وفق هذه القاعدة تصرف القاضي "فليس من مهام قاضي العجلة بيع البضاعة التي لا يعرف اساساً درجة خطورتها. ناهيكم عن ان للبضاعة مالكين ويجب ان يُعلن عنهم. خمسة او ستة طلبات وصلت، في شكل غير قانوني، من الجمارك آخرها في شهر 12 (كانون الأول) العام 2017، أي بعد مرور شهرين على ترك القاضي في تشرين الأول العام 2017 موقعه وانتقاله الى موقع آخر. والطلب الأخير تسلمته قاضية الأمور المستعجلة التي تلته وأجابت بالردّ نفسه، او الردود، التي اجاب بها. لكن جمارك بيروت استمرت بالمنهجية نفسها غير القانونية واستمرّت الدولة "غائبة عن الوعي". هيئة القضايا ووزارة النقل والأشغال "أدارتا الأذن الطرشاء".



بدري ضاهر



نعود الى قرار قاضية الامور المستعجلة في ردها على طلب الجمارك في 28 كانون الاول 2017 وفيه: "تحويل الطلب الى صاحبة الصفة للسير في الملف ووجوب ابلاغها الطلبات قبل اتخاذ اي قرار، سيما انها لم تبلغ أصولاً لغاية تاريخه وتكليفها باتخاذ موقف ومناقشة مدى اختصاص هذه المحكمة في البت بنقل ملكية البضائع خلال اسبوع من تاريخ التبليغ". القرار صدر في 28 كانون الاول 2017.

غريبٌ حقاً ما حصل. الجمارك حاولت ملياً "وفق اصول غير قانونية" التصرف بالبضاعة. والدولة، بأمها وأبيها، تلكأت عن الحراك في هذا الاتجاه. وقضاة الامور المستعجلة اعتبروا الأمر، من جهتهم، منتهياً. ثمة لغز في الموضوع.

لكن، لماذا إصرار الجمارك على إلقاء المسؤولية على القاضي جاد معلوف؟ هناك من يحاول أن يُقدّر الظروف التي جعلت الجمارك تحاول إلقاء "التهمة" على القاضي وفيها "أن الجميع يفتشون عن "شماعة" في هذا الوقت الصعب، وإبعاد "الشبهة" عن المسؤولين المباشرين وهم "قشة لفة" ليسوا أبداً قلة. ناهيكم عن ان الباحثين يفتشون عن أسماء "ليس لها ضهر" في لبنان الذي من ليس له ضهر فيه، ولا أحد يحميه، يسهل القضاء عليه. هؤلاء ظنوا ان هذه النكبة مثلها مثل كل ما اقترفوه في حقّ اللبنانيين غير عارفين ان ما بعد الرابع من آب لن يكون أبداً كما قبله.

الجميع مسؤول، وحين نادى الثوار "كلن يعني كلن" أصابوا. فهيئة القضايا هي محامية الدولة، أو يفترض أن تكون محامية الدولة اللبنانية، لكنها سمعت وقرأت ورأت وغضت الطرف. والجمارك، التي يفترض ألا تكون طرفاً في الموضوع، بدت الطرف الأكثر حراكاً وتدخلاً. ووزارة العدل ووزارة النقل ووزارة المال لم تحرك ساكناً. وكل هذا نذير بما كان يحصل وما عاد وحصل. وللبحث تبقى تتمة. فالقضية اكبر من أطراف. إنها بحجم دولة.


MISS 3