رواد مسلم

واشنطن وبكين مطالبتان بعدم تغيير الوضع الحالي بالقوّة

8 أيار 2024

02 : 00

بكين تسعى إلى فرض هيمنتها في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي (أ ف ب)

أدّى التطوّر الاقتصادي الذي حقّقته جمهورية الصين الشعبية على مدى السنوات الأربعين الماضية إلى تصنيفها واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم. وصعود الصين كزعيم اقتصادي عالمي مكّنها من الصعود كقوّة عسكرية وسياسية. وكان وصول شي جينبينغ إلى رأس السلطة كأمين عام للحزب الشيوعي الصيني في عام 2012 بمثابة بداية حقبة جديدة من ديناميكيات السلطة الصينية، حيث على مدار الأعوام الاثني عشر الماضية، كانت الصين تستخدم قوّتها الاقتصادية الناعمة للضغط على الدول لحملها على العمل لصالحها.

في المقابل، إنّ الولايات المتحدة وحلفاءها، خصوصاً الأوروبيين، مستعدّون لمصارعة نوايا الصين بتغيير النظام العالمي، لكنّهم أقلّ استعداداً لمواجهة الإكراه الاقتصادي الذي تُمارسه الصين، لما له من تبعات اقتصادية عليهم. ونظراً للتأثير الخبيث للإكراه الاقتصادي الصيني، فإنّ الولايات المتحدة ستكون في وضعٍ صعب ما لم تستثمر في تطوير أدوات للإستفادة من قوّتها الاقتصادية الحالية لمكافحة استخدام الصين المتزايد للقوّة الاقتصادية كسلاح للدولة.

بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح الردع أداة استراتيجية عالمية يمكن أن تؤثّر على كل أبعاد حسابات الدولة، ونادراً ما استخدمت الأدوات العسكرية بين الدول الكبرى بشكل مباشر بعد تدمير هيروشيما وناغازاكي. ومع استمرار الحرب الباردة وحتى إلى يومنا هذا، بدأ الاستراتيجيون يلجأون إلى الأدوات القسرية التي لا تنطوي على العنف للردع، إلى جانب الردع النووي الذي تعتبره الصين «توازناً استراتيجيّاً مضادّاً»، والأداة الاقتصادية أبرز هذه الأدوات التي تستخدمها الصين.

إستخدمت الصين الاعتماد الاقتصادي المتبادل كسلاح للإضرار بإقتصادات البلدان من دون تهديد مواطنيها أو أراضيها بشكل مباشر، حيث كشف تقرير لبلومبرغ أنّه عندما قرّرت كوريا الجنوبية استضافة نظام أميركي مضاد للصواريخ الباليستية، توقّف فجأة تدفّق السياح الصينيين إلى البلاد، وعندما اتّهمت أستراليا بكين بالتدخّل في سياساتها الداخلية وطالبت بإجابات في شأن منشأ «كوفيد»، توقّفت الصين عن استيراد بعض السلع كالفحم والنبيذ ولحم البقر من أستراليا. ومنعت بكين التجارة مع ليتوانيا وحذفتها من نظامها الجمركي، بعد إنشاء الأخيرة «مكتباً تمثيلياً تايوانياً في ليتوانيا».

وإلى جانب الإكراه الإقتصادي، تعمل الصين على تقوية قدراتها العسكرية وتوسيع بصمتها الدفاعية خارج أراضيها، حيث رست السفن الحربية الصينية أخيراً في قاعدة ريام البحرية في كمبوديا، الأمر الذي يعتبر بمثابة التدشين غير الرسمي لأوّل موقع بحري خارجي للصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والثاني في العالم بعد الرصيف البحري الصيني في جيبوتي.

كلا الرصيفين كبيران (363 متراً رصيف جيبوتي) بالقدر الكافي لاستيعاب أي سفينة تابعة للقوة البحرية الصينية التي تنمو بشكل سريع، بما في ذلك حاملة الطائرات «فوجيان» الجديدة التي يبلغ طولها حوالى 300 متر، والتي ستخضع لتجارب بحرية هذا العام.

تسعى الصين للحصول على موطئ قدم في المواقع التي من شأنها أن توفر نقطة مراقبة للطرق البحرية الحيوية والسيطرة عليها. وقاعدة ريام البحرية وجيبوتي لا تمثلان سوى حلقتين في استراتيجية بكين الأوسع للقواعد الخارجية، حيث حذّر مجتمع الاستخبارات الأميركي الكونغرس من أن الصين تسعى إلى إنشاء قواعد بحرية أخرى وتوسيع نطاق وصولها العسكري إلى بورما، كوبا، غينيا الاستوائية، باكستان، سيشيل، سريلانكا، تنزانيا والإمارات العربية المتحدة، ومعظمها يقع بالقرب من مواقع عسكرية أميركية حساسة.

قد تؤدّي المنشآت العسكرية الصينية الجديدة إلى تغيير ميزان القوى العالمي وتعقيد وضع القوة الأميركية في المناطق الرئيسية. إن السفن الحربية الصينية الراسية الآن في كمبوديا قد تُحدّد مساراً لمواقع استيطانية صينية جديدة، فإذا تمّ نشر مثل هذه القوات، سيمُثل ذلك تطويقاً استراتيجياً يترك تايوان والمصالح الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ عرضة للخطر.

فكرة إبقاء تايوان منفصلة عن الصين لها فائدة للأمن القومي الأميركي حسب وجهة نظر الصين، فهي تضمن الإبقاء على قوات عسكرية في مناطق من آسيا للدفاع عن حلفاء واشنطن هناك. وهذه الأهداف تُغذّي قلق بكين من أن تحقيق الأهداف الأميركية في المنطقة سيأتي على حساب الصين، حيث ترى الأخيرة أنّ واشنطن تطوّر سياسات احتواء تهدف إلى استمرار سيطرتها الجيوسياسية، وأنّ عليها إقناع الولايات المتحدة بقبول أنّ بكين أصبحت لاعباً رئيسياً لا يُمكن احتواؤه أو تعطيله أو زعزعة استقراره بكافة الوسائل.

على الصين والولايات المتحدة وحلفائها اللجوء إلى التعهّد بعدم تغيير الوضع الحالي في آسيا والمحيط الهادئ بالقوّة العسكرية، الأمر الذي سيُساهم في وضع قواعد سلوك عادلة تسمح بدفع رؤى مشتركة حول الاستقرار الإقليمي، ويخفض من دوافع جميع الأطراف لتكديس ترساناتهم العسكرية وتوسيعها. وهذه التعهدات يجب أن تطال المجال الاقتصادي، الذي يجب على الطرفين إتباع استراتيجية التفاهم المزدوج لكبح الإكراه الإقتصادي الصيني من دون الوصول إلى ردود الفعل، وهذا ما بدأه الأميركيون مع زيارة بلينكن للصين، والفرنسيون بإستضافة الرئيس الصيني هذا الأسبوع.

MISS 3