ريشي أينغار

واشنطن تعطي طابعاً عالمياً لاستراتيجيتها السيبرانية

المصدر: test sgdfkahsdjha adh

وزيرة التجارة الأمركية جينا ريموندو خلال حفلة أقيمت في البيت الأبيض في واشنطن | 26 كانون الثاني ٢٠٢٤

أمضت الولايات المتحدة سنتين وهي تدعم أوكرانيا في حربها الميدانية وسبعة أشهر وهي تدعم إسرائيل في حرب أخرى. في الوقت نفسه، تتابع واشنطن الاستعداد لحرب ثالثة محتملة في تايوان. لكن يبدو أن تركيزها يصبّ في المقام الأول على معركة متواصلة وعابرة للحدود على مستوى الفضاء السيبراني ومستقبل التكنولوجيا.

كشفت وزارة الخارجية الأميركية الجزء الذي تعطيه الأولوية في تلك السياسة المتوسّعة هذا الأسبوع عبر نشر نسختها الخاصة من استراتيجية الفضاء الإلكتروني والتكنولوجيا الرقمية، وهي تطرح عقيدة «التضامن الرقمي» التي تشدد على دور التكنولوجيا في الديبلوماسية وضرورة بناء تحالفات دولية لدعم شبكة إنترنت «مفتوحة، وشاملة، وآمنة، وقوية» عبر تبنّي «سلوك حكومي مسؤول» في مجال الفضاء السيبراني.

طُرِحت الوثيقة التي تعرض تفاصيل الاستراتيجية أخيراً، وهي تتقاطع مع ثلاثة معالم أساسية من ولاية جو بايدن الأولى: تصعيد الصراع مع خصوم مثل روسيا والصين في العالم السيبراني، والتشديد على «التعددية المصغّرة» عبر بناء تحالفات وشراكات دولية بين كتل مستهدفة وأصغر حجماً، والإصرار على التمسك بالتفوق الأميركي التكنولوجي في العالم.

في هذا السياق، أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن محتوى الاستراتيجية خلال المؤتمر الأمني «آر أس إيه» في سان فرانسيسكو، وهو أكبر تجمّع سنوي بين خبراء الأمن السيبراني في منطقة «سيليكون فالي»، فقال: «تُعتبر الثورات الراهنة في عالم التكنولوجيا في صلب منافستنا مع خصومنا الجيوسياسيين».

أضاف بلينكن: «ستكون قدرتنا على تصميم التقنيات وتطويرها ونشرها كفيلة بتحديد قدرتنا على رسم مستقبل التكنولوجيا، ومن المنطقي أن نصبح أكثر قدرة على تحديد المعايير ونشرها حول العالم إذا انطلقنا من موقف قوي. لكن لا يشتق تفوّقنا بكل بساطة من قوتنا المحلية، بل ينبثق أيضاً من تضامننا مع معظم دول العالم التي تشاركنا رؤيتنا لبناء مستقبل تكنولوجي حيوي، ومنفتح، وآمن، وشبكة لا مثيل لها من حلفاء وشركاء يمكننا التعاون معهم خدمةً لقضية مشتركة».

تكلّم ناثانيال فيك، السفير الأميركي في مجال الفضاء السيبراني والسياسة الرقمية، مع الصحافيين قبل دقائق على إلقاء ذلك الخطاب، فشدّد على أهمية تلك الشراكات العالمية لتحديد المعايير العامة وانتقاد مخالفات دول مثل روسيا والصين جماعياً: «يسهل انتقاد طرف واحد، لكن من الأصعب انتقاد ثلاثين طرفاً. لهذا السبب، من الضروري أن نبني تحالفات مستدامة في هذه الظروف». تأتي هذه الاستراتيجية لتضع إطار عمل واضح للخطوات التي بدأت إدارة بايدن تطبّقها عملياً. في العام 2021، أطلقت الإدارة الأميركية «مبادرة مكافحة برامج الفدية» التي توسّعت الآن وباتت تشمل أكثر من 60 بلداً. وقّع حوالى ثلث تلك البلدان على تعهّد بقيادة الولايات المتحدة لكبح ممارسات سوء استخدام برامج التجسس التجارية. كذلك، اضطلعت الولايات المتحدة بدور أساسي لحصر الجهود المرتبطة بسلامة الذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع مجموعة السبع، والمملكة المتحدة، والأمم المتحدة.

اتخذت وزارة الخارجية الأميركية خطوات عملية لدعم مواقفها من وقتٍ إلى آخر، فمنحت 25 مليون دولار لألبانيا وكوستاريكا غداة الهجمات السيبرانية التي تعرّض لها هذان البلدان ونُسِبت إلى إيران وروسيا توالياً. تعمد الوزارة أيضاً إلى توزيع 500 مليون دولار على 7 بلدان في أنحاء آسيا وأميركا اللاتينية لدعم قدرات تصنيع أشباه الموصلات فيها. كذلك، تطرّق بلينكن إلى استثمار حديث في خطوط الإنترنت، وهو عبارة عن شراكة مع أستراليا، ونيوزيلندا، واليابان، وتايوان، لإنشاء كابل تحت البحر وتزويد حوالى 100 ألف شخص في جزر المحيط الهادئ بخدمة الإنترنت.

اعتبر فيك تعيينه في منصبه في العام 2022 خير مثال على أهمية التكنولوجيا في السياسة الخارجية الأميركية، فقال: «طوال سنتين، ركّز أحد مكاتب وزارة الخارجية على هذه المسائل. اخترنا سفيراً لتمثيلنا في هذا الملف، وتُعتبر هذه المبادرة عموماً محاولة لتحسين مقاربتنا الديبلوماسية في هذا المجال».

يبقى الأمن الإلكتروني والدفاع السيبراني من أكثر الجوانب إلحاحاً في سياسة التكنولوجيا الأميركية. واجهت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة عدداً من الهجمات السيبرانية المتزايدة من الصين، وروسيا، وإيران، وكوريا الشمالية، ما أدى إلى إضعاف مجموعة من البنى التحتية الأساسية مثل خطوط أنابيب الغاز، وشبكات توريد المياه، وحتى أنظمة الرعاية الصحية. كذلك، حذرت أجهزة الاستخبارات مراراً من جهود روسية وصينية محتملة للتأثير على الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة في تشرين الثاني.

تصبّ استراتيجية وزارة الخارجية الأميركية تركيزها على تهديدات الهجمات السيبرانية العدائية، لكنها ليست أول وثيقة تُصدِرها إدارة بايدن عن هذا القطاع. سبق ونشر البيت الأبيض «الاستراتيجية الوطنية للأمن السيببراني» في آذار 2023، ثم طرح خطة لتنفيذها في حزيران، ونشرت وزارة الدفاع الأميركية أيضاً استراتيجيتها السيبرانية الخاصة في أيلول.

طرح مكتب المدير السيبراني الوطني في البيت الأبيض أخيراً، تحديثاً لخطة التنفيذ التي صدرت في السنة الماضية، بالإضافة إلى تقرير هو الأول من نوعه عن وضع الأمن السيبراني في الولايات المتحدة لتقييم جهوزية البلد لمجابهة الخصوم.

قال هاري كوكر جونيور، المدير السيبراني الوطني في البيت الأبيض، خلال اجتماع آخر في مؤتمر «آر أس إيه»: «لقد أحرزنا تقدّماً إيجابياً، ويجب أن نبذل جهوداً أخرى. لا يزال الطريق طويلاً. الأمن السيبراني مجال لا يتوقف عن التطور».

لكن يظن الديبلوماسيون الأميركيون أن جهود بناء التحالفات يُفترض أن تتزامن مع متابعة المساعي للتواصل مع الخصوم، لا سيما في المسائل الشائكة، مثل الهجمات السيبرانية وحواجز حماية الذكاء الاصطناعي.

رافق فيك بلينكن في رحلته إلى الصين في أواخر نيسان، لإجراء لقاءات مع نظيره الصيني وانغ يي والرئيس شي جينبينغ. هو يقول إن البلدين وافقا على الاجتماع في «بلد ثالث» لإقامة حوار ثنائي حول سلامة الذكاء الاصطناعي وبناء الثقة، «حرصاً على التمسك بقناة تواصل في شأن مجموعة من أهم التقنيات الناشئة والمتنوعة التي تلوح في الأفق».

كذلك، ذكر بلينكن أن «تعريض البنى التحتية الأميركية الأساسية للمخاطر، لا سيما الشبكات المدنية الرئيسية، هو تطور خطر وتصعيدي وغير مقبول». لكن لم يتطرق المجتمعون إلى نقطة خلافية أخرى، إذ يقول فيك إن الصينيين لم يذكروا شيئاً عن تطبيق «تيك توك» المثير للجدل.

تعني هذه الرؤية التي تطرحها الاستراتيجية الرقمية الصادرة عن وزارة الخارجية الأميركية أن واشنطن قد تحتاج إلى خوض محادثات صعبة مع حلفائها وشركائها، لأن طريقة استعمالهم للتكنولوجيا قد لا تتماشى مع تلك الرؤية. استخدمت إسرائيل مثلاً أنظمة الذكاء الاصطناعي لاختيار أهدافها أثناء قصف قطاع غزة بطريقة مثيرة للقلق، وتحتل الهند، وهي شريكة استراتيجية مهمة أخرى للأميركيين، أعلى المراتب دوماً على اللائحة العالمية لتعطيل الإنترنت وسبق وقمعت المعارضين على مواقع التواصل الاجتماعي.

تعليقاً على الموضوع، يقول فيك: «عندما يتجاوز الحلفاء والشركاء هذا الخط، نحن لا نتردد في انتقادهم. أخبرني أحدهم يوماً بأن الإغفال عن تجاوزات الأصدقاء هو شكل من البلطجة. من الضروري إذاً أن نتعامل مع الحلفاء والشركاء وفق المعايير التي ندافع عنها في أماكن أخرى. في غضون ذلك، ستتابع واشنطن التركيز على دورها كقدوة للآخرين. في عالمٍ يشمل عشرات البلدان المتّفقة على هذه المعايير مقابل بضعة بلدان لا توافق عليها، يبقى عدد هائل من الدول الأخرى عالقاً وسط هذه المعمعة. لا تريد هذه الدول أن تضطر للاختيار بين الطرفَين خدمةً لمصالحها الوطنية، ويُفترض ألا يجبرها أحد على القيام بخيار مماثل. لن يكون أسلوب التهديد نافعاً في هذا المجال، فهو لا يتماشى مع عالم الديبلوماسية بأي شكل».