د. ميشال الشماعي

تسليم سليم سليماً

22 آب 2020

02 : 00

بعد 15 سنة من التحقيقات والشهادات، صدر الحكم في قضيّة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري من المحكمة الدولية، الذي جرّم بحيثياته المتّهم سليم عيّاش، وبرّأ الثلاثة الآخرين لعدم كفاية الأدلّة. وفي قراءة أوّلية لنتائج الحكم ولتبعاته، تظهر حرفية المحكمة بحيث تُدْحَضُ الإتّهامات بتسييسها. فهل سيتجاوب "حزب الله" مع هذا الواقع الجديد الذي فرضته المحكمة الدولية؟ أم سنشهد مواجهة تقديس للمجرم جديدة على خلفية عقائدية؟ سارع جمهور 8 آذار إلى الضخّ الاعلامي لإثارة جوّ إحباطي عند جمهور 14 آذار، لأنّ الحكم لم يأتِ على قدر توقّعاتهم. لكن إن قرأنا الحيثيات التي بُنِيَ على أساسها الحكم، قراءة قانونية وليس قراءة شعبوية، يبدو جلياً الإتّهام لـ"حزب الله "ومن ورائه النظام السوري. لا بدّ هنا من الإعتراف ببراعة جمهور الثامن من آذار في استخدام وسائل إعلامه كلّها لإظهار هذا الحكم مُخيّباً للآمال، مع قدرتهم على اللعب على عواطف جمهور 14 آذار الذي كان يتوقّع الكثير من هذه المحكمة؛ من دون الأخذ في الإعتبار النظام الداخلي لنشوئها، عندما أصرّت روسيا على حجب قدرة إدانة الدول والكيانات عنها، حتّى تعطي موافقتها على إنشائها في مجلس الأمن. وهذا ما حصل تماماً. كان حريّاً بهذا الجمهور الشعبوي قراءة الأمور القانونية والحيثيات قبل الإقدام على ردود الفعل المُستفِزَّة التي سرعان ما تجلّت في مسقط رأس القاتل عيّاش. فعلى "حزب الله" الآن إظهار حسن نيّته الوطنية وتثبيتها، من خلال تسليم سليم سليماً الذي وحده يبدو عملاً سليماً. لكنّ ذلك دونه مخاطر كيانية على الحزب، لأنّه بات أمام حقيقتين دامغتين أحلاهما مرّ:

- الحقيقة الأولى: الإعتراف بحقيقة الحكم وبمهنية المحكمة ومسارها الإحترافي غير المسيّس، ما يُحتّم عليه تسليم سليم سليماً للمحكمة والقضاء الدولي. وفي هذه الحالة ستتمّ متابعة التحقيق معه لاستبيان الحقيقة كاملة، فيُعرف حينها المموّل والمُخطّط والمُدبّر والمُستفيد من هذه العملية.

- الحقيقة الثانية تكمن في تطويب القاتل قديساً بحسب العرف الذي عوّدنا عليه "حزب الله"، ما يعني الدخول في مواجهة دوليّة سوف لن تُحْمَدَ عُقباها.

وللحقيقتين تداعيات سياسية. ففي الحالة الأولى قد يثبت اتّهام الحزب أو سوريا أو أيّ جهة ثالثة. وإذا كان الحزب الذي يطرح دوماً فرضية اتّهام إسرائيل فليسلّم سليم سليماً لتثبت التّهمة على إسرائيل إذا صحّ ذلك. أمّا إذا لم يسلّم سليم سليماً فهذا يعني حقيقة واحدة وواضحة للعيان، وهي اعترافه بارتكاب هذه الجريمة. وفي الحالتين ستكون التداعيات السياسية خطيرة على التركيبة اللبنانية المُتضعضعة على خلفيّة هذا الحكم.

لذلك كلّه نحن أمام واقع جديد فرض نفسه على التركيبة اللبنانيّة بعد 18 آب، فإذا تجاوب الحزب مع المطالب الدولية يعني أنّه حصل على استثمار سياسي طويل الأمد في التركيبة اللبنانيّة الدستورية، وحتماً سيكون هذا الإستثمار على حساب بقيّة اللبنانيين. فهل ستقبل الأساطيل الراسية في مرفأ بيروت بتسليم الحزب مقاليد الدستور في لبنان جائزة ترضية لتسليمه سليم سليماً؟ وكيف سيتفاعل بقية اللبنانيين مع جائزة الحزب؟ وإن رفض الحزب الإعتراف وتسليم سليم سليماً، فهذا يعني أنّ لبنان سيدخل في مواجهة دولية على وقع هدير مولّدات البوارج الحربية الراسية في مرفأ بيروت. ولا يبدو أنّ الحزب مُزمع على تغيير استراتيجياته السياسية؛ ففي ذلك تنازل عقائدي ليس من صلب تكوينه الأيديولوجي. ومَن يعتقد بأنّ تسليم سليم سليماً وارد إنّه حتماً مخطئ. فهل يتحمّل الحزب المواجهة الأممية؟ أم سيُقدّم سليم شهيداً على المذبح السوري كسلفه بدر الدين ليُقفل نهائياً هذا الملفّ؟