المحامي نجيب ليان

ماذا بعد الغدر ببيروت؟

25 آب 2020

02 : 00

إحتمالات ثلاثة متداولة في ما خصّ انفجار ميناء بيروت:

1 - عمل عدواني إسرائيلي نتيجة معلومات حول وجود أسلحة وذخائر تابعة لـ"حزب الله" في الميناء.

2 - عمل عدواني إيراني لتحويل الأنظار عن قرار إدانة "حزب الله" وإيران وسوريا باغتيال الرئيس رفيق الحريري وشخصيات ثورة الأرز المنتظر صدوره عن المحكمة الدولية.

3 - حادث سببه الخطأ أو الإهمال.

وسوف نتطرق الى كلّ احتمال على حدة.

الإحتمال الأول: عمل عدواني إسرائيلي

إضافة الى كون الطيران الإسرائيلي كان يحلّق في أجواء لبنان منذ بضعة أيام، أفاد عدد من شهود العيان أنّهم شاهدوا جسماً طائراً في محيط الميناء، من الممكن أن يكون طائرة حربيّة أو صاروخاً متوسّط المدى. كذلك، أكّد عدد آخر أنه سمع صوت هذا الجسم الطائر قبل لحظات من وقوع الإنفجار. إنّ المؤكّد هو أنّ موقع صحيفة "هآرتس" أعلن في الدقائق الأولى التي تلت الإنفجار تبنّيه من قبل القوى الإسرائيلية المسلّحة، لكنّ الناطق الرسمي بإسم الجيش الإسرائيلي ما لبث أن نفى ضلوع إسرائيل بالتفجير بعد حوالى ربع ساعة، ربّما بسبب هول الكارثة. واحتمال حصول عملية عسكرية أيّدها مستشارو الرئيس دونالد ترامب، الذي تحدّث عنها عفواً بعد الحادث، قبل الوقوف عند أبعادها السياسية والإستراتيجية. إنّ الملفت هو أنّ السيّد حسن نصرالله، الذي يتّهم الصهاينة بأيّ شاردة وواردة مُزعجة تحصل في لبنان، لم يتوقّف، وإن للحظة، عند احتمال الضربة العسكرية الإسرائيلية، وكأنّه أراد التعتيم على الموضوع. والمُلفت أكثر قوله بأنّه يجهل ما يجري في ميناء بيروت، والعامة تعرف أن لا ذبابة تتحرّك في لبنان وموانئه البرية والبحرية والجوية من دون رصدها من "حزب الله" الذي يحكم قبضته على كافة الأجهزة الأمنية ومفاصل الدولة، ويُسيّرها على هواه.

الإحتمال الثاني: عمل عدواني إيراني

إن إيران و"حزب الله" هما حالياً في مأزق على كافة المستويات في لبنان والمنطقة، وقد تجلّى ذلك من خلال خطب السيد حسن نصرالله المتقلّبة والمتناقضة منذ بداية الثورة. كما ان استباق التفجير موعد صدور حكم المحكمة الدولية بإدانة أعضاء من "حزب الله" (الذي سبق أن اغتال بعضهم) لن ينزع المسؤولية المعنوية عن الحزب بالنسبة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وعدد من شخصيات ثورة الأرز من قبل إيران وسوريا، هذا إن لم يضع القرار المسؤولية مباشرة على الحزب أو بعض قادته. كلّ ذلك يبرر في رأي البعض، قيام الحزب بعملية التفجير برضى أو بتحريض من النظام الإيراني.

الإحتمال الثالث: حادث سببه الخطأ أو الإهمال

لا شكّ في أنّ المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الدولة وإدارتها وسياسييها وأزلامها، حتى إن صحّ أحد الإحتمالين السالفي الذكر، بالأخصّ أنّ جهاز أمن الدولة وجّه كتب تنبيه بوجود المادة المتفجّرة مرات عدّة إلى المسؤولين الكبار في الجمهورية. وهذه المسؤولية على نوعين، تبدأ بالجزائية بمعناها الضيّق (والتي ستؤدّي إلى صدور أحكام ودفع تعويضات بعد محاكمات لن تكون سريعة) وتنتهي بالسياسية التي تقع على كل المتعاقبين الفعليين على السلطة منذ العام 1991، والتي أدّت إلى وقوع الإنفجار في ظلّ الفساد المستشري لدى الحكّام وفي الإدارة والذي أدّى إلى خلق مناخ إهمال وعدم محاسبة، إذ أضحى العمل العام إمتياز الغاصبين بدلاً من واجب الشرفاء.

وفي جميع الأحوال، ومهما كان السيناريو الذي أدّى إلى تواجد 2750 طناً من نيترات الأمونيوم في أحد مستودعات مرفأ بيروت، لا بدّ للقيّمين على التحقيق والمسؤولين والمراقبين الإجابة على الأسئلة التالية:

1 - من هي الجهة التي كانت واضعة يدها فعلياً على كمّية نيترات الأمونيوم بعد إفراغ الباخرة؟

2 - ما هي كمّية نيترات الأمونيوم التي تفجّرت في المرفأ، إذ يقول الخبراء إنّ تلك الكمية هي أقلّ بكثير من 2750 طناً لأنّ كمّية كهذه من شأنها القضاء على ما بعد بعد بيروت؟ وهل تمّ استعمال نيترات الأمونيوم في تفجيرات أخرى حصلت في اليمن والعراق وسوريا، ومِن قِبل مَن؟

3 - أين باقي مخزون نيترات الأمونيوم الذي لم يُفجّر؟ ومن هي الجهة التي تحوز عليه حالياً، بالأخصّ أنّه تمّ توقيف عدد من عناصر"حزب الله" في أوروبا وأميركا الجنوبية وبحوزتهم كمّيات من هذه المادة؟

إن الإجابة على هذه الأسئلة ستؤدي إلى توجيه أصابع الإتهام إلى "حزب الله" المسؤول بشكل مباشر أم غير مباشر عن التفجير. وهذه المسؤولية، إن صحّت، قد تفسّر موقف السيد حسن نصرالله المتميّز بالنكران والتنكّر الكاملين، لِعلمه بتواجد مادة نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، ونفي علمه بها حتى على حساب إدانة إسرائيل. إنّ ما يهمّ اللبنانيين اليوم هو موقف المجتمع الدولي من "حزب الله" في ظلّ ضلوعه المباشر في إغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وسياسيي ثورة الأرز، وفي ظلّ مسؤوليته المباشرة أو غير المباشرة عن التفجير. ما هي التدابير التي ستتّخذها الولايات المتّحدة وإسرائيل، في حال فشل مبادرة الفاتيكان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحييد لبنان عن الصراعات الدائرة في المنطقة؟ هل سيكتفي الأميركيّون بفرض مزيد من العقوبات على الحزب وأعضائه وحلفائه، أم أنّ الضربة العسكرية المباشرة سوف تكون المرجّحة؟

إنّ ما كان يتمنّاه اللبنانيّون من نصرالله، الذي لا غبار على لبنانيته بالرغم من عدد من مواقفه المُثيرة للجدل، هو أن ينتفض ضدّ الموقف الإيراني المُتشدّد، النابع من المصالح الإستراتيجية الصرف لبلاد فارس على حساب سلامة لبنان وأهله، بالأخصّ أنّ السيّد حسن يعرف تمام المعرفة أنّ إيران لم تُنشئ وتنمّي وتسلّح "حزب الله" سوى من أجل تدميره بشكل أفضل، إمّا عن طريق سحقه خلال المواجهة الأخيرة مع إسرائيل، أو عن طريق تقديمه قرباناً على مذبح التسوية مع الولايات المتحدة.

وفي جميع الأحوال، إنّ لبنان وأبناء لبنان هم الذين سيدفعون مُجدّداً أبهظ الأثمان.


MISS 3