د. ميشال الشماعي

مئة عام لتعود فرنسا

29 آب 2020

02 : 00

تترقّب بيروت زيارة الرئيس الفرنسي في الأول من أيلول القادم، بعدما تمّ الإعلان عنها من قصر الاليزيه رسمياً. ماكرون الذي أتى إلى بيروت في السادس من آب الماضي، مدفوعاً بالدافع الإنساني، ليستعيد الدور الفرنسي التاريخي فيلج الملفّ السياسي من الباب الإنساني. فهل سيستطيع الرئيس الفرنسي أن يُعيد لبنان إلى الساحة الاقليمية؟ أو أنّ المفاوضات الأميركية – الإيرانية المرتقبة ستكون أقوى من قدراته السياسية؟

يجب مقاربة الأمور بطريقة واقعيّة حيث يبدو التعويل كثيراً على الزيارة الفرنسية فيه سوء تقدير للتفاعلات الإقليمية التي تتداخل في منطقة شرق المتوسّط، لا سيّما مع بروز مثلّث جديد رؤوسه الثلاثة هي بيروت وسرت وأنقرة. فباتت السياسة الفرنسية بموقع معارض للسياسة الأميركية في المنطقة التي لا تهتمّ إلا بمصلحة حليفتها الاستراتيجية، أي إسرائيل. فهل سيتجلّى الإهتمام الأميركي في لبنان بالدعم السيادي؟ أم ستتمّ التضحية بالسيادة على غِرار ما حدث بعد حرب الخليج؟

حتّى هذه اللحظة، تبدو المبادرة الفرنسية محصورة في المساعدة بإظهار حقيقة إنفجار المرفأ، وبدت خجولة بطرح "حكومة المهمّة" كما أسماها ماكرون بعد الزيارة الأولى، حيث حصر دورها بالعناوين الإصلاحيّة وصولاً حتّى طرح العقد الإجتماعي الجديد. وبعد مضي قرابة الشهر، ما زالت الأمور كما تركها ماكرون. لا حكومة، لا إصلاحات ولا نتائج في التحقيق سوى تلك الروايات الهوليودية التي لا توجد إلّا في الأفلام الخرافية. فهل سيستطيع الرئيس الفرنسي أن يفرض على اللبنانيين ما لم يقوموا به بملء إرادتهم؟

مقابل ذلك كلّه، وفي فترة الجمود السياسي المُتعمّد التي فرضتها سلطة الدويتو الحاكم، عاد لبنان ساحة صراع للقوى الدولية بكثافة لأنّ المنطقة على منعطف خطير، وهو فيه محاور صراع عدّة. ففرنسا لها مصلحة في مواكبة الوضع في لبنان. أمّا اللاعبون الجدد تركيا، روسيا وربما الصين، فتحاول فرنسا أن تقطع الطريق عليهم من خلال الدخول سريعاً إلى الساحة اللبنانية. فهل ستستطيع فرنسا أن تطوّق أيّ دور تركي جديد بالإعتماد على إرثها الحضاري القديم في لبنان؟

فرنسا دائماً ترى نفسها اليوم مضطرّة لتكون أكثر حزماً في المتوسّط، ولو أنّ هذا الدور خفت قليلاً، مع بعض الرؤساء الفرنسيين، لعدم إيلائهم الشأن المتوسّطي أيّ أهمّية، حيث انصرفوا إلى المتابعات الأوروبية والاجتماعية الداخلية، ما جعل فرنسا منعزلة عن النادي الدولي. وهذا ما سمح ببروز اللاعبين الجدد، بعدما أثبتت أوروبا أنّها بالفعل قارة عجوز. إلا أنّ ماكرون، الطامح للتحوّل الى قائد أوروبي فاعل، جعل من منطقة شرق المتوسّط أولوية لدخوله من جديد إلى الساحة الدولية، فيستعيد قدرات فرنسا السياسية ليستطيع أن يكون شريكاً فاعلاً في مرحلة المفاوضات المقبلة عليها منطقة الشرق الأوسط. بدت بشائرها بين الإمارات وإسرائيل. فما هو مدى الدور الأوروبي المرتقب في الشرق الأوسط الجديد؟

لقد بات من مصلحة الفرنسيين الطامحين لاستعادة هيبتهم الدولية العمل بشكل حثيث على حلّ الأزمة اللبنانية، إستعداداً لقطع الطريق التركي إلى ليبيا التي ستتمتّع بدور على المتوسّط في مجال الطاقة. أمام هذا الواقع المتوسّطي – الأوروبي المعطوف على الأزمة اللبنانية، تتصاعد وتيرة الهجوم الأميركي على مجلس الأمن في التعامل مع ملفّ إيران، مع تأكيد أميركا على مواجهة طهران، وعملياتها المزعزعة لاستقرار المنطقة. حيث ذكّرت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت بحقّ دولتها المنصوص عليه في القرار 2231 في تفعيل آلية سناب- باك لمعاقبة إيران، حيث تعود عليها العقوبات كافة التي كان أقرّها مجلس الأمن قبل أن يعلّقها الإتفاق والقرار2231 الذي تمّ إقراره في تمّوز 2015. فهل سيتمكّن اللبنانيون أنفسهم من التفلّت من التجاذبات الدّوليّة بحلّ وطني الصنع؟

على ما يبدو، أنّ الفرنسيّين أنفسهم سيكونون أمام تحدّيات دولية جديدة عليهم ترجمتها بفرض حلّ للأزمة اللبنانية. ماذا وإلا سيخسرون لبنان وبالتّالي موقعهم الاستراتيجي على شرق المتوسّط. فهل فرنسا مستعدّة للإنتظار مئة عام لتعود؟