د. ميشال الشماعي

الديبلوماسية الدولية بين السياسة والإقتصاد والكيانية

5 أيلول 2020

02 : 00

بدت الزيارة الفرنسية الثانية، زيارة لجبر خاطر اللبنانيين في ظاهرها، لكنّها سرعان ما كسرت خاطرهم في بعض المواقف التي أعلنها الرئيس ماكرون. إلا أنّ عجلة الحياة السياسية قد انطلقت ببدء الإستشارات التي ستشارك فيها القوى السياسيّة مجتمعة، حتّى تلك التي لم تسمِّ دولة الرئيس مصطفى أديب. فما هي خريطة الطريق الحكومية؟ وهل ستستطيع هذه الحكومة، المُفترض أن تكون متخصّصة، أن تواكب السياسيين اللبنانيين على اختلاف أجنداتهم السياسية وسط التقاطعات الديبلوماسية؟

بعد التكليف السريع على وقع الضغط الفرنسي الذي أنتج تسمية السفير مصطفى أديب، أعطى الرئيس ماكرون السياسيين اللبنانيين مهلة 15 يوماً لتشكيل حكومة مصغّرة من اختصاصيين، قد لا يتعدّى فيها عدد الوزراء 15 وزيراً. إلا أنّ الأسماء لا تهمّ بقدر الأجندة التي ستلتزم بها الحكومة المرتقبة. وعلى ما يبدو، أنّ الأولويّة ستكون إقتصاديّة، من خلال السير في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لأنّه الباب الوحيد لضخّ السيولة في السوق النقدية التي باتت مترنّحة على وقع تصريحات حاكم المركزي باقتراب موعد سحب الدعم.

وعلى ما أشار الرئيس ماكرون، أنّ مهام هذه الحكومة تنحصر في أربع أولويّات هي: المساعدة الصحّية والأولوية الغذائية، والتربية والتعليم لتأمين عودة التلامذة الى المدارس والجامعات، وتعزيز قدرات مرفأ بيروت، وإعادة إعمار المباني المتضرّرة بانفجار الرابع من آب. من هنا تتّضح صورة الحكومة المقبلة التي من المفترض ألا تتعرقل مهامها، فيجب ألا يعترض أيّ فريق سياسي على الناحيتين الإنسانية والاقتصادية، إلا إذا تمّ تسييس طبيعة هذا العمل، وهذه مسألة ليست مُستبعدة على سلطة سياسية أجمع الكلّ على عدم تحمّلها مسؤوليّاتها، لا سيّما بعد انفجار الرابع من آب.

من هنا، يبدو أنّ الأجندة السياسيّة مؤجّلة لكأنّ القوى السياسية تمّ وضعها في الثلاجة حتّى تحقيق استقرار اقتصادي ما. والمؤكّد أنّ الدعم الأوروبي سيكون كبيراً، لكنه مشروط بمدّة حدّدتها الديبلوماسية الفرنسية حتى نهاية تشرين الأول لتحكم على هذه الحكومة بناء على أدائها. خجولة هي هذه المبادرة الديبلوماسية حيث لم تتطرّق إلى المشكلة الأساسية. صحيح أنّنا بتنا في نفق إقتصادي لكن المشكلة هي في مكان آخر، في السياسة وليس في الإقتصاد. فما آل إليه الوضع الإقتصادي هو النتيجة وليس السبب. والمعالجة الحقيقية تكون في معالجة الأسباب وليس النتائج.

فرفض الرئيس الفرنسي التطرّق إلى الأمور السياسية هو دليل ضعف في المعالجات الفرنسيّة حيث لم يدخل في معالجة السبب. فبالنسبة إليه الإنتخابات المبكرة التي أجمع الشارع الثائر بأطيافه كلّها عليها هي ليست أولويّة، لأنّها لم تحظَ بموافقة القوى السياسيّة كلّها. والواضح هنا أنّه عنى "حزب الله" الذي رفضها بشكل واضح، موفّراً الإحراج على حلفائه في مساندته بهذا الرفض. إضافة إلى اعترافه بأنّ "حزب الله" هو واقع سياسي، لكأنّه يبرّر لنفسه وللبنانيين وللمجتمع الدولي على السواء، مغازلته ومهادنته للحزب.

وسط ذلك كلّه، يُسَجَّل تمايُز الديبلوماسية الأميركية المتمسّكة بتطبيق القرارات الدولية وأوّلها القرار 1559، إضافة إلى تسليم سليم عياش المتّهم بقتل رفيق الحريري من أجل إحقاق العدالة، على حدّ ما جاء على لسان مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر. فهذا التنسيق الديبلوماسي صار جليًّا حيث ترك أمر الاقتصاد للأوروبيين مقابل السياسة للأميركيين. إلا أنّ الديبلوماسية الفاتيكانية التي تجلّت هي أيضاً بزيارة أمين سرّ الدولة في الفاتيكان، الكاردينال بيترو بارولين، وهو أرفع مسؤول في الكرسي الرسولي بعد قداسة البابا، يبدو أنّها ستكون الرافعة الكيانية التي سيعبر بواسطتها مشروع الحياد الذي طرحه راعي بكركي ولبنان كلّه.

أمام هذه المشهدية الديبلوماسية، تتجلّى الصورة اللبنانية، لكنّ وجع الناس لن ينتظر، ناهيك عن التجاذبات الإقليمية الممتدّة من سِرْت إلى بيروت، مروراً بأنقره وأثينا والقاهرة. وعلى ما يبدو انّ استمرارية النّهج الحاكم في لبنان، أو قُل المُتحكّم به، هي عينها ستحكم المرحلة المقبلة، وهذا لا يعد بأيّ تغيير، لأنّ المطلوب في السياسة أيضاً، وليس في الاقتصاد فقط. وعلى تعدّد تقلّبات الأجندات السياسية اللبنانية تماشياً مع الإخاء الفرنسي، وثبوت قلّة منها في المطالبة بالمساواة والعدالة بين اللبنانيين، ولا سيّما في موضوع سلاح "حزب الله"، ومع التقاطعات الديبلوماسية، يبقى الترقّب سيّد الموقف.


MISS 3