في تغريدة للسيد سامر كبارة اقترح فيها على دولة الرئيس المكلف القاضي نواف سلام إضافة حقيبة وزارية، تكون بلا امتيازات، إلا ان صلاحياتها تكون مقتصرة على تقييم أداء الوزراء من حيث الإنتاجية والكفاءة، ومدى تحقيق الأهداف المرجوة التي يحددها كل وزير لوزارته. ويبدو من الواضح ان الأستاذ كبارة قد استوحى فكرة هذه الوزارة من قيام الرئيس المنتخب في الولايات المتحدة، دونالد ترامب، بمنح رجل الاعمال الناجح ايلون ماسك منصباً في ادارته الجديدة تناط به مسؤولية زيادة كفاءة الحكومة الفدرالية في واشنطن، مما سيمهد الطريق، وبحسب الرئيس ترامب، الى تفكيك البيروقراطية الحكومية، وتقليص الوظائف الزائدة، وخفض النفقات المهدورة، وإعادة هيكلة الوكالات الفيدرالية.
وفي حين يُعتبر اقتراح السيد كبارة خطوة تطويرية جديدة في العمل الحكومي، إلا انها تطرح عدة علامات استفهام من بينها: هل يتناقض وجود هكذا وزارة مع الدستور؟ وهل يمكن ان يؤدي انشاؤها الى تضارب في الصلاحيات بين الوزرات وبين هذه الأخيرة ومجلس النواب؟ وهل فعلاً يمكن وضع هذه الخطوة التطويرية في الاتجاه الصحيح لتنفيذ المكننة في ادارت الدولة اللبنانية والالتحاق بالثورة الرقمية القائمة اليوم في العالم؟
بداية لا بدّ من القول ان انشاء وزارة متخصصة لتقييم عمل الوزراء لتحفيزهم على الانتاجية والكفاءة كما يقترح السيد كبارة، هو اليوم من بين أكثر الاقتراحات العملية مواكبةً للتطور التكنولوجي والابداعي الحاصل في العالم، والذي وبطبيعة الحال، وان جرى اخذه في عين الاعتبار وتطبيقه، فإنه سيساهم حكماً في تطوير مستوى عمل الحكومة. ومن خلال دراسة هذا الاقتراح ومقارنته بالوزارة التي انشأها حديثاً الرئيس دونالد ترامب في الولايات المتحدة الأميركية، فإن إنشاء هكذا وزارة لا يتضمن أي تناقض لا مع الدستور اللبناني ولا بالتالي أي تضارب بعمل مجلس النواب.
فهناك فرق بين دور مجلس النواب وصلاحياته الدستورية في مراقبة عمل الحكومة ومحاسبتها، ودور هذه الوزارة في حال انشائها. فالهدف من الدور الرقابي على اعمال الحكومة والمنوط بالنواب يهدف الى مساءلة الحكومة و/ او أحد أعضائها والوصول ربما الى طرح الثقة بالحكومة و/ او بأحد أعضائها. إلا ان هذا الدور الدستوري، يرتبط اليوم ارتباطاً وثيقاً بالتوازنات السياسية كما وبالأهداف السياسية للنواب والمتعلقة بغالبيتها بصراع الأحزاب والقوى السياسية على السلطة. لذلك، لم يشهد المجلس النيابي في لبنان أي عملية مساءلة حقيقية أدت يوماً ما الى طرح الثقة بالحكومة و/ او بأحد أعضائها.
أما فيا يتعلق بدور الوزارة التي يقترح السيد كبارة انشاءها، فهي تنطلق من اهداف عامة متفق عليها اساسًا بين غالبية اللبنانيين ألا وهي تحقيق الاستقرار السياسي والأمني والنمو الاقتصادي وعودة الاستثمارات الأجنبية وخلق وظائف عمل والقيام بإصلاحات جوهرية على القطاع العام والقطاع المصرفي والخ. وتحقيق هذه الأهداف يتطلب ليس فقط وجود حكومة تُمثّل غالبية الأطراف السياسية، بل أكثر من ذلك بكثير. إن تحقيق هذه الأهداف يتطلب وجود حكومة ذات إنتاجية عالية وكفاءة مميزة لأعضائها، وهذا يتطلب وجود آلية عملية وفعّالة لا يمكن ترسيخها إلا من خلال وجود وزارة تكون بلا امتيازات وتكون صلاحياتها تكون مقتصرة على تقييم أداء الوزراء من حيث الإنتاجية والكفاءة، ومدى تحقيق الأهداف المرجوة التي يحددها كل وزير لوزارته.
وفي حال انشاء هذه الوزارة، تصبح هذه الأخيرة، وكما بقية الوزارات وكامل الحكومة تحت العمل الرقابي لمجلس النواب ووفق احكام الدستور اللبناني. وبذلك تكون الطبقة السياسية في لبنان قد أعطت مثالاً على مصداقيتها من خلال التزام بأحكام الدستور اللبناني، ومثالاً واحًا على ارادتها بتحقيق ما يصبو اليه اللبنانيون وما يطمحون الى تحقيقه. وهذا أكثر ما هو بحاجة اليه لبنان لاستقدام الاستثمارات الخارجية، والتي هي ضرورية لخلق وظائف عمل، خاصةً في قطاعي التكنولوجيا والاتصالات والصناعات الإبداعية والثقافية. ونكون بذلك قد خطونا خطوة جبّارة باتجاه تمكّين لبنان من مواكبة الثورة الرقمية والتطور التكنولوجي الحاصل في العالم.