رفيق خوري

"ضبط النفس" الإيراني وامتحان "الرهينة" اللبنانية

26 أيلول 2020

02 : 00

كان تشرشل يقول "ان مشكلة الإنتحار السياسي هي انك تعيش بعده". وهذه مشكلة الرئيس سعد الحريري الذي أقدم على ما اعترف بأنه "إنتحار سياسي"، وهو في ربيع حياته السياسية، لا في خريفها. ولا احد يعرف كيف تتطور الأمور في ملف الرهينة الحكومية، حيث مصير ما اقترحه الحريري في أيدي سواه. من الثنائي الشيعي والعهد والأحزاب والمرجعيات في الداخل الى ايران واميركا وبينهما فرنسا في الخارج والداخل معاً. لكن الكل يعرف أن لبنان الذي قادته المافيا السياسية والمالية والميليشيوية الى الإنتحار المالي والاقتصادي والسياسي مهدد بالزوال، إن لم يقدم طرف على دفعه الى الانتحار الوطني.

والآن وقت الامتحان، لأن ساعة الحقيقة دقت من زمان. امتحان في الوطنية التي نتغنى بها، ونحن نضع الصراع على المواقع في السلطة فوق كل شيء حتى في ساعة الضرورة القصوى لإنقاذ لبنان واللبنانيين. امتحان لأمراء الطوائف والمذاهب الذين يدعون، كلما كانوا محشورين، الى دولة مدنية، وهم يعرقلون تأليف ما يمكن ان تسمى "حكومة مدنية" تمثل المجتمع المدني، وامتحاناً للرغبة والقدرة على اتخاذ مواقف تحول دون ان تكتمل التضحية بلبنان من أجل الآخرين.

ذلك ان الإنطباع السائد هو ان لبنان ورقة للمساومة في الصراع بين اميركا وايران، تحاول فرنسا فك أسرها، ولو موقتاً، لإخراج لبنان من الهاوية وضمان موقع استراتيجي لها هنا وفي شرق المتوسط.

وهذا بالطبع جزء من تصور اكبر هو ان لبنان "رصيد استراتيجي" لإيران، لا مجرد ورقة. وترجمة ذلك التسليم من دون قراءة في التحولات ان تأليف حكومة "بلدية" ينتظر الانتخابات الرئاسية الأميركية ورهانات طهران على فشل الرئيس ترامب. وهي بالطبع التصرف على اساس أن مستقبل لبنان مرتبط بمستقبل المنطقة والتحولات الدراماتيكية فيها، وعملياً بما تقود اليه التحالفات الجديدة وما ينتهي اليه المشروع الايراني.

لكن امامنا فرصة لالتقاط الانفاس وتأليف حكومة من دون انتظار. فما كشفته "النيويورك تايمس" عن مسؤولين اميركيين ودوليين اطلعوا على تقرير استخباري هو ان المرشد الاعلى علي خامنئي أمر كل اصحاب الاصوات العالية في التهديد بالهدوء، لأن "ضبط النفس هو أفضل طريقة لمنع انتخاب ترامب". اذ يرى الولي الفقيه ان اميركا واسرائيل تنصبان "فخاً" لايران، عبر التخريب في الداخل والقصف في سوريا وتشديد الضغوط لدفعها الى القيام بعمليات عسكرية وأمنية بما يبرر لهما ضربها عسكرياً. فما الفائدة في مرحلة "ضبط النفس" من جعل تأليف الحكومة رهينة الانتخابات الأميركية؟

"ليست محظوظة البلدان التي تحتاج الى أبطال" كما قال برتولد بريشت.


MISS 3