روي أبو زيد

ليال نعمة: أفكّر بالهجرة وانفجار بيروت أحرقنا وكسرنا

26 أيلول 2020

02 : 00

هي ابنة بيت فنيّ، مؤمن وراقٍ. تعمد ليال نعمة دوماً الى التعبير عن حبّها للحياة من خلال صوتها الذي يحاكي السماء فيرفع قلوب المستمعين نحو الخالق. رنّمت، غنّت، وتقدّم دوماً أعمالاً فنية تحاكي الواقع الذي نعيشه، آملةً أن "نتخطّى هذه الأزمات الصعبة التي نصادفها".

أحيت نعمة أخيراً أمسية موسيقية في دير يسوع الملك في ذوق مصبح، فقدّمتها لضحايا انفجار بيروت وناجت الخالق أن يحمي لبنان بفضل صوتها الذي تحكّمت به غصّة الحزن والوجع.

"نداء الوطن" التقت نعمة وكان هذا الحوار المشوّق:

ما الذي علّمتك إياه تجربة كورونا؟

علّمتني هذه التجربة أن أعيد ترتيب أولويّاتي والتمييز بين الأمر المهم والأكثر أهميّة. جمعنا القلق والخوف الذي اجتاح العالم كلّه، على أمل أن نُجمع مجدداً تحت أطر المحبة والسلام.

هذا العام الصعب حثّ البشرية على التفكير بالأمور الأسمى وتغيير وجهة نظر الناس بشكل عام. وحين كان العالم يركض بشكل سريع جداً، حدّت كورونا من خطواته، وجعلته يبطئ كثيراً أو حتى يرجئ المشاريع الطارئة بهدف التعمّق في الحياة، والعودة الى الله في بعض الأحيان.

للأسف، خسر العالم أرواحاً بشرية ومشاريع اقتصادية واجتماعية لكنه ربح وقتاً أكثر لإعادة النظر بالحياة ومراجعة الضمائر.

هل سيتغيّر الناس بعد عودة الحياة بشكــــــل طبيعي؟

أعتقد أنّ التغيير سيكون جذرياً في نمط حياتنا، عاداتنا وتقاليدنا، والنمط السريع الذي اعتمدناه غالباً. لكن بعد تخطّي هذا الظرف الصحي الصعب قد تجد البشرية نفسها أمام تحدّ جديد يكمن في اختيار العلاقات المناسبة، إعطاء العائلة الوقت الكافي، معرفة الاستفادة من يومنا وعدم العيش على الهامش.





إن خُيِّرت بين محو فيروس كورونا من لبنان أو انفجار الرابع من آب ما الذي تختارينه؟


أمحو الانفجار بكلّ تأكيد. إذ إن هذا الزلزال أحرقنا وكسرنا. أشعر أنّ أشلائي تفرّقت مع كل شهيد وجريح ومشرّد. نستمدّ الأمل اليوم من الصلاة والإيمان كي نتمكّن من الاستمرار في العيش، لكن الدمار يحيط النفوس وأصبنا جميعنا بالأذى عينه.


أحييتِ أمسية في دير يسوع الملك رتّلت فيها على نيّة لبنان. ما الذي طلبته من يسوع؟


طلبت منه أن يحمي عائلاتنا، وأن يلهمنا على اتّخاذ الخيارات الصحيحة من أجل العيش بطريقة أفضل تحت نظره. صلّيت كذلك كي يثبّتنا في الإيمان والمحبة ويشفي القلوب المجروحة والمكسورة والمحروقة. الله رحوم وعادل، لذا أطلب أن يحلّ عدله في بلادنا كي ينقذنا من الفساد المستشري الذي نعيش فيه.


ما هي التحديات التي تواجهكم كعائلة فنية حين تسيرون على طريق النجاح؟


نحن من عائلة فنية نستخدم فننا لإيصال رسالة معينة. لم يكن هدفنا يوماً متعلّقاً بالشهرة، إذ يعمد كلّ منا الى تقديم الفن بطريقة مميّزة تبرز هويته الخاصة. لا يمكنني اعتماد أساليب لا تشبهني أو عائلتي كي أصل شمم النجاح والشهرة بطريقة أسرع.

نحن نحترم الناس كجزء من احترامنا لذواتنا وذلك عبر الفن الذي نقدّمه ويضارع ذوق الرأي العام الراقي.


أخبرينا عن عملك الفني الجديد الذي يحاكي الواقع؟


أصدرتُ أخيراً أغنية حملت عنوان "الوطن"، من كلماتي وألحان وسيم ربيع وتوزيع الياس رشماوي. وصوّرتها بعدسة المخرج شربل منصور.

عمدتُ من خلال هذه الأغنية الى وصف الوضح الحالي الذي نعيشه حيث سلّطتُ الضوء على اضمحلال أحلامنا واستبداد آلامنا.

وأقوم حالياً بالتحضير لأغنية أخرى من كلماتي كذلك تتحدث عن تمسّكنا بالبقاء والحياة.


ما هي مشاريعك الحالية؟


أصدرتُ في حزيران الفائت CD أغنّي فيه بالسريانية بأنماط مختلفة وأتناول فيه مواضيع عدّة. لم أوقّعه بسبب جائحة كورونا، لكن يمكن الاستماع إليه عبر المنصّات الرقمية.


لماذا هذا الاتّجاه لإعادة إحياء اللغة السريانية؟


السريانية جزء من حضارتنا وثقافتنا. هي لغة أجدادنا في المنطقة واللكنة اللبنانية هي ركن أساسي من اللغة الآرامية والسريانية. إنها لغة جميلة جداً حتى موسيقياً، إذ تبقى مخارج حروفها رائعة جداً. لم يكن هدفي تسجيل CD بالسريانية، لكن عشقت اللغة أكثر فأكثر خلال تسجيل الأغاني وهكذا أنجزنا هذا العمل.

أود الإشارة الى أنني في صدد التحضير لعمل فني يحمل توقيع الشاعر زاهي وهبي بالتعاون مع ملحنين عدة، لكننا نعمل على "نار هادئة" بانتظار الوقت المناسب لإصداره.


كيف تتدرّبين كي تتمكّني من الوصول الى هذه الطبقات الصوتية الصعبة؟


أنا أدرس الموسيقى منذ صغري، لذا تعمد الخبرة بالأداء الى السماح لي بمعرفة كيفية استخدام صوتي وتطويعه. تجدر الإشارة الى أنّ النضوج في الحياة يظهر جليّاً في الصوت، إذ خلال إحيائنا أمسية موسيقية يظهر جليّاً هذا الموضوع في الأغاني التي نقدّمها.

يبقى الغناء النعمة التي منّ بها الله عليّ، لذا أشكره وأحمده على عطاياه.





أتفضّلين الترنيم أم الغناء؟


أحب الغناء كثيراً لكن الترنيم يبقى جزءاً أساسياً مني، إذ أعمد الى تسبيح الله في صوتي على الدوام.


هل تفكّرين بالهجرة؟


حين أتيحت لنا الفرص كي نهاجر لم نرد أن نترك وطننا. لكنني كأم أفكّر اليوم بعائلتي ومستقبل أولادي، لذا باتت الاحتمالات واردة كي نغادر بلدنا ونكمل حياتنا للأسف في بلد آخر. جرحنا كبير، وغضبنا أكبر!


من هو مثالك الأعلى في الحياة؟


أمي وأبي لأنهما زوداننا بالحب والطاقة الإيجابية والإيمان. أرى في أبي الصمود والحفاظ على العائلة وفي أمي المحبة اللامحدودة، عدم البغض والكره والأنانية.

تعلّمت من أهلي أنّ الأشياء لا تعطينا الفرح بل تبقى القيمة محصورة بالإنسان فقط، لذا تعلّمنا أن نحبّ أنفسنا كي نعرف كيفيّة أن نحب غيرنا بطريقة مناسبة.


ما هي حكمتك؟


أرفض التنازل عن مبادئي والرضوخ للواقع المرير. أنا أرفض الانحناء إلا لله وحده.

كلمة أخيرة لقرّاء "نداء الوطن"؟


أدعو القرّاء الى التحلّي بالطاقة الإيجابية، الحفاظ على إيمانهم والاستماع للموسيقى التي نستمدّ منها الجمال والطاقة. وعلى أمل أن نغنّي للجمال والفرح والحب والأمل.



MISS 3