ريتا ابراهيم فريد

د. عبدالرحمن البزري:لقاح الانفلونزا يخفّف أعباء الالتهابات التنفّسية

26 أيلول 2020

02 : 00

فيما ينتظر العالم بترقّب طرح لقاح لـ"الكورونا"، بموازاة ارتفاع هائل في أعداد الإصابات المترافقة مع ازدياد في عدد الوفيات، تطرّق البعض الى موضوع لقاح الانفلونزا بخاصة وأننا على أبواب موسم الشتاء. وانقسمت الآراء بين من اعتبر أخذ لقاح الانفلونزا ضروريّ للوقاية من "الكورونا"، وبين الذي حذّر منه، في مقابل من اعتبر أن لا علاقة بينهما. "نداء الوطن" تواصلت مع عضو اللجنة الوطنية لمكافحة الأمراض المعدية والإختصاصي في الأمراض الجرثومية الدكتور عبدالرحمن البزري، الذي شرح أكثر عن هذا الموضوع.

كيف يعمل لقاح الانفلونزا وما هي أهميّته؟


لا بدّ من الإشارة في البداية الى أنّ الإنفلونزا هو فيروس موسمي يأتي في كلّ سنة بحلّة جديدة، فيتغيّر شكله قليلاً كي يتمكّن من نقل العدوى الى أكبر عدد ممكن من الأشخاص. والطريقة الوحيدة ليحافظ هذا الفيروس على نفسه هي بالإنتقال بين شخص وآخر بواسطة الإفرازات التنفّسية والسعال وغيرها من الأعراض التي باتت معروفة. نسبة الإصابات بالإنفلونزا غالباً ما تكون عالية، وبالتالي فهي تكوّن نوعاً من المناعة المجتمعيّة. وإذا لم يغيّر الفيروس بتركيبته على مدى سنتين أو ثلاث، تتشكّل مناعة مجتمعية ضدّه تمنعه من أن يتكرّر، لذلك يسعى الإنفلونزا لأن يتطوّر بتركيبته كي يحافظ على قدرته على الانتقال بين الناس، وبالتالي يجب أن يتغّير لقاح الإنفلونزا باستمرار.

ففي كلّ سنة نكون أمام مهلة ستة أشهر لندرس ما هي فيروسات الإنفلونزا الموجودة في العالم، خاصة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. وستة أشهر أخرى لتحضير اللقاح في مختبرات عالمية موحّدة. وبالتالي فالهدف هو أن نلاحق تطوّر الإنفلونزا كي يكون لدينا لقاح يمثّل النسخة الأخيرة من الفيروس في السنة التي سبقت.




ما صحّة الأخبار التي انتشرت عن ضرورة أخذ لقاح الإنفلونزا للوقاية من الكورونا؟


لا بدّ من التشديد على أن لا علاقة بين الإنفلونزا والكورونا سوى أنّهما فيروسان تنفّسيان، وكلاهما سيتزايدان في فصل الشتاء. ومن الممكن أن يصاب الإنسان بالفيروسين معاً، وهُنا قد تكون إصابته أشدّ خطورة من الذي يصاب بأحد الفيروسين فقط. كما أنّ الفيروسين قادران على التسبّب بإلتهاب في الرئتين بواسطة الفيروس نفسه، أو بواسطة إلتهاب ميكروبي جرثومي. وبالتالي من مصلحتنا أن نخفّف عبء الإنفلونزا على المواطنين، لأننا اليوم أمام عبء آخر ومشكلة أخرى لم نكتشف حلّها بعد، أي فيروس الكورونا.

إضافة الى ذلك، يعيش الجسم الطبي في جميع أنحاء العالم تحت ضغط كبير بسبب الكورونا، ومن الممكن أن يعاني في فصل الشتاء من ضغط الإنفلونزا، لذلك إذا تمّ تلقيح الناس من فيروس الإنفلونزا نساهم في التخفيف من نسبة الإصابات بهذا الفيروس، ونخفّف بالتالي من نسبة الضغط على المستشفيات كي نحافظ على نسبة معيّنة من الأسرة المتوفّرة لمرضى الكورونا.

وهناك سبب آخر يشجّع على تناول لقاح الانفلونزا، حيث أنّ الطبيب نفسه أو المريض لن يتمكّن من أن يميّز دائماً بين أعراض الإنفلونزا وأعراض الكورونا. صحيح أنّ بعض أعراض الكورونا غير موجودة في أعراض الإنفلونزا، لكن 70% من أعراض الفيروسين يمكن أن تكون متشابهة. وبالتالي سيرتبك الطبيب أمام أي مريض مصاب بفيروس الإنفلونزا، وقد يجد صعوبة في التمييز بين الفيروسين، مما يجعله أمام خيار أن يعطي علاجاً للفيروسين أو إجراء فحوصات لهما، والأمران مكلفان مادياً.

لذلك ننصح الجميع بأن يتناولوا لقاح الإنفلونزا. صحيح أنه لا يحمي من الكورونا ولكنه يحمي من الإنفلونزا التي قد تشارك وتنافس الكورونا بالإلتهابات التنفسية وتزيد الأمور تعقيداً.


إذا كان لقاح الانفلونزا لا يحمي من الكورونا كما ذكرت، ألا يساعد على التخفيف من عوارضه على الأقلّ؟


الذين يقولون أنّ لقاح الإنفلونزا يحمي من الكورونا أو يخفّف من عوارضه أو لا، إنما هم يناقشون خارج السرب الحقيقي. أساس الموضوع أننا بحاجة لحماية أنفسنا من الإنفلونزا كي نخفّف من أعباء الإلتهابات التنفّسية، وكي نساعد على مواجهة الكورونا في فصل الشتاء حيث من المتوقّع أن ترتفع فيه نسبة الإصابات.





في المقابل، حذّر بعض الأطباء من أخذ لقاح الانفلونزا، لماذا برأيك؟


أجد أنه من غير المنطقي أن يدعو أي طبيب الى عدم أخذ لقاح الانفلونزا. ربّما يرغب البعض في الظهور على مواقع التواصل الإجتماعي لإبداء موقف مثير للجدل، أو ربّما لدى البعض موقف ما من اللقاحات بشكل عام، لأنّ هناك موجة ضدّ اللقاحات في العالم. هم أحرار. لكن ليس هناك أية مرجعية طبية جدية عالمية أو محلية، ممكن أن تكون ضدّ لقاح الإنفلونزا.


من هي الفئة التي من الضروري أن تحصل على لقاح الانفلونزا أكثر من غيرها؟


يجب أن نعطي الأولوية للأشخاص الذين تجاوزوا سنّ الـ65 عاماً، والذين يعانون من أمراض تنفّسية مزمنة أو من نقص وضعف في جهاز المناعة، والذين يعانون من أمراض القلب والسكّري. بالإضافة الى الأشخاص العاملين في القطاع الصحي، فهؤلاء أولوية أيضاً في هذه الحالة لأنّ عليهم الإهتمام بالمرضى ويجب بالتالي حمايتهم من الإنفلونزا تماماً كما نسعى الى حمايتهم من الكورونا، كي لا يضطروا الى التغيّب عن عملهم أو وضع مرضاهم أو عائلاتهم تحت خطر العدوى.



ماذا عن اللّقاحات المغشوشة؟


في لبنان هناك نظاما تلقيح، العام والخاص. النظام العام هو لائحة اللقاحات الأساسية التي تتمّ الموافقة عليها من قبل لجنة خبراء، وأنا أحدهم. وهذه اللجنة لا علاقة لها بالدولة أو بوزارة الصحة، وهي تحدّد اللّقاحات الأساسية والفئات العمرية التي يجب أن تحصل عليها. كما تحدّد أيضاً برنامج التلقيح وعدد الجرعات. ثمّ يرفع التقرير الى وزارة الصحة ومنظّمة الصحة العالمية واليونيسف، حيث يتمّ تحديد لائحة اللقاحات الأساسية.

أما اللقاحات الخاصة فيتمّ استيراد معظمها عن طريق وكلاء لشركات أدوية. ومعظم الشركات العالمية التي تصنع اللقاحات هي شركات محترمة ومثبتة الجدية.

في لبنان يتمّ تهريب بعض اللقاحات من الدول التي تصنع لقاحات من دون رخصة، ومن الضروري أن يتمّ ضبط هذا الموضوع. لكنّي أعتقد أنّه يتمّ التعاطي بجدّية كبيرة مع موضوع اللقاحات في لبنان، سواء لناحية استيرادها أو حفظها.




إضافة الى ارتداء الكمامة والتباعد الإجتماعي، بماذا تنصح الناس على أبواب الشتاء وموسم الانفلونزا كي يتفادوا الإصابة بالكورونا؟


نشدّد دوماً على أنّ ارتداء الكمامة والتباعد الإجتماعي والمحافظة على النظافة الشخصية هي الأساس. النقطة الثانية الأساسية في هذا الموضوع هي الإعتراف بأنّ الكورونا سيكون شريكنا في السنة المقبلة، فأينما ذهبنا هناك كورونا: في البيت، في العمل، في المدرسة... لذلك علينا أن نحافظ على التباعد الإجتماعي وأن نتقيّد بشروط الإجتماعات، أي أن نعتمد قدر المستطاع على الأونلاين بعيداً من التواصل الاجتماعي المباشر. إذاً لا بدّ من أن نتعايش مع الموضوع وأن نتحمّل مسؤوليّتنا خاصة في ظلّ غياب واضح للدولة، حيث تكبر مسؤولية المواطن الذي عليه أن يوازن بين لقمة عيشه وبين الوقاية من الكورونا.


آخر المعلومات عن لقاح كورونا


لا يزال البحث مستمراً على طرح لقاح الكورونا، وهناك ستّة أو سبعة لقاحات قيد التجربة حالياً، فيما أنّ أربعة منها أصبحت في المرحلة الثالثة وقد تمّت تجربتها على عدد كبير من الناس. عندما يثبت أنّ هناك لقاحاً آمناً يحمي بنسبة 50% وما فوق، سيتمّ إقراره. لذلك نعتقد أنّ هناك لقاحين أو ثلاثة مرشّحة للوصول الى هذه النسبة، على أمل عدم حدوث مفاجأة سلبية في هذا الخصوص. وهذه اللّقاحات قد تظهر خلال أسابيع أو أشهر، لكن على الرغم من هذه البشرى الجيدة، إلا أنّه لن يتمّ إنتاج اللقاح بالكمّيات الكافية قبل سنة أو سنتين. وأعتقد أنّ كمية اللّقاحات التي ستصل الى لبنان سنة 2021 في حال تمّ التوصل الى لقاح نهائي لن تغطّي أكثر من نسبة 20% من المواطنين.