د. فادي كرم

منهجية "التروّي" وسياسة "التدجين"

اتّبع محور الممانعة - فرع لبنان على طول مراحله السياسية ومع تبدّل مرجعياته الإقليمية، سياسة التدجين للقواعد وللمتعاونين وللسلطات الرسمية المتعاقبة، كما لبعض الفرقاء السياسيين المعارضين له. ونجح من خلال منهجيته هذه، بالتقدّم خطوة خطوة، فالاندساس في مواقع السلطة، باثاً سمومه الفكرية في القرار الرسمي، ومُدجّناً المسؤولين الرسميين للقبول بإرشاداته وخططه ورؤياه، معوداً إياهم على الاستسلام للإذلال والإهانة التي يوجهها إليهم عن سابق تصوّر وتصميم، من خلال أدائه وتعدّياته على مواقعهم ومسؤولياتهم الوطنية وسيادتهم. وبسياسة التدجين هذه، استطاع إخضاعهم، فبات هو مرشد الجمهورية.


لم يكن لهذه السياسة أن تنجح لولا قبول الأطراف السياسية المقابلة له بالتراجع خطوة خطوة أمامه، فمن كان مولجاً بالحفاظ على السيادة والقرار الوطني لم يُدرك معنى هذا التراجع التدجيني، ولم يستشرف عواقب تبديد مصالحه على الحس الوطني وعلى الاستقلال الفكري. والقوى التي حاولت معارضته، لم تكن على قدر المواجهة الشرسة التي فرضها عليها، فذهبت بنهاية الأمر إلى التسويات بدل الصدّ.


أمّا وقد تفوقت سياسة التدجين في المرحلة السابقة، وأمّنت القدرة للمحور للسيطرة على القرار اللبناني الرسمي، فقد جرّ هو البلاد إلى الدمار والتخلّف، فمحوره يتقن التدجين للآخرين والقتل عند الضرورة والتسلّط أسلوباً، ولكنه لم ينجح يوماً في تحمّل مسؤولية الإدارة والقيادة الصحيحة، وها هو اليوم ذاته يحاول دفع المسؤولين الرسميين الجدد للتراخي أمام منهجيته، مستغلاً حسن نياتهم للاستيعاب، وخشيتهم من تهديداته بإثارة النعرات، وخوفهم من تخوينه لهم واتهامهم من قبله زوراً عند مناداتهم بحصرية السلاح بيد الدولة وبسيادة الدولة الكاملة السيادة، بأنهم ساعون إلى التطبيع مع إسرائيل. سياسة التدجين الجديدة التي يعتمدها في المرحلة الحالية، تترافق مع مخطط هادف إلى التفجير الأمني وإلى إثارة الفوضى التي تسمح له لإعادة العمل بمشروعه مدماكاً مدماكاً تماماً كما نشأ في ثمانينات القرن الماضي.


يتّبع محور المُمانعة سياسة التدجين مستغلاً تمترس الطرف الرسمي من الدولة خلف منهجية «التروّي» تهرّباً من الإقدام على القرارات الجريئة التي تُعيد السيادة والثقة الداخلية والخارجية للدولة. ويسعى البعض من هؤلاء الرسميين الجدد إلى البحث في القضايا الإصلاحية والاجتماعية قبل أن يعملوا على إيجاد المنصة الصلبة التي تضمن المسار الثابت في مشروع بناء الدولة، فالإنقاذ لا يُستحق، إلا بالتحرّر من الانصياع لإرشادات الدويلة، والإصلاح لا يُؤمل به، فقط بالقرارات الحكومية الروتينية، والسيادة لا تُسترجع، بمنهجية «التروّي» بوجه سياسة «التدجين».


ستشهد الفترة القادمة حتى حلول الاستحقاق النيابي 2026 مواجهة بين منهجية «التدجين» وسياسة «التصدّي» لها، وجدالات بين منهجية «التروّي» وسياسة «التدجين»، ومُنافسة بين «التروّي» و «التصدّي» ولن يصح إلا الصحيح، بنهاية الأمر عندما لن يبقى لمنهجية «التروّي» القدرة على الصمود بوجه سياسة «التدجين» إلا بدعم من سياسة «التصدّي».