د. مارك الأشقر

إلى «هيئة العلماء المسلمين»: أُخاطبكم بكلّ محبّة وصراحة

منذ أن عقد «المحافظون الجدد – لبنان» مؤتمرهم التأسيسيّ الأوّل، تتوالى الردود وتتفاعل حول مقرّراته، التي وضعت الإصبع على جرح المعضلة اللبنانية المزمنة، ومن بين الجهات التي شنّت هجومها على «مؤتمر بيت مري» كانت «هيئة العلماء المسلمين في لبنان». لذا، تعليقاً على بيان «الهيئة»، يهمّني توضيح النقاط التالية:


أوّلاً، غير صحيح أنّ بيان المؤتمر، حمل في كلّ بنوده النفس التقسيمي، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تمّ طرح الخيار الاتحادي (أي الفدرالي وفق المصطلح الأجنبي المُعرّب) في البند الثاني، فرجاءً لا تقولوا «كل البنود»! جدّيّاً، يُخال، أقول يُخال، أنكم لم تقرأوا البيان، بل أتت هذه الجملة كردّة فعل عفوية.



على أيّ حال، ألم يجتمع «اللقاء الإسلامي» في منزل الراحل صائب سلام بُعيْد ترشّح بشير الجميّل لرئاسة الجمهورية وصدر عن الاجتماع بيان جاء فيه أنّ «الحكم في لبنان ليس حكم العدد»؟ (...) وما كان البديل ليكون غير الفدرالية أو حتّى التقسيم وفق العلوم السياسية؟


أكثر من ذلك، ألم ترفضوا «سايكس – بيكو» وطالبتم بالانضمام إلى حكومة فيصل بن الحسيْن، ثم طالبتم بالانضمام إلى جمال عبد الناصر، ثم إلى ياسر عرفات والثورة الفلسطينية في لبنان؟ ما كان ذنب المارونية السياسية آنذاك؟ دعونا من قصة الحرمان، (...) فلم تعطوا أي فرصة. فلا، لم يكن الحرمان هو السبب الذي استخدمتموه مطية، بل كونكم ذقتم الذمية للمرة الأولى منذ الفتوحات، وقالها وقتها الشهيد المفتي حسن خالد عام 1983، وكان على حق: «سياسة الحكم في لبنان لا تتأثر بالإسلام في أي مظهر من مظاهرها» (...).



المفتي كان شجاعاً وصريحاً وعارفاً بما يريد وعارفاً بأنّ المسلمين في لبنان في تخبّطٍ فظيعٍ ضمن نظامٍ مركزي، حيث كانت السيطرة فيه للمسيحيين.

أما بالنسبة للحقد، فلماذا تفسّرون أخذ مساحة حرية لنا، بالتوازي مع إعطاء مساحة حرية لكم، على أنه نتاج حقدٍ؟ بماذا نؤذيكم بعيْشنا إلى جانبكم من دون أن يخضع أحدنا للآخر؟



صراحةً، لم نرَ أي علامة حرص لدى المسلمين السنّة ولا سواهم في بناء الدولة العادلة ولا المساواة في المواطنة، كما لم نرَ أيّ يد ممدودة لفريق مسلم تجاه فريق مسلم آخر، مدة 105 أعوام، رغم الفرص المتتالية. ونحن لا نلومهم: نحن في صراع عمره 1400 عام، فلماذا الإعلان عن حرص غير موجود؟


على صعيدٍ موازٍ، نقول لـ «هيئة العلماء»: هل تؤمنون بالمساواة في المواطنة بينكم وبيننا؟ أنتم على حق بأن ترفضوا أي شكل من تلك المساواة، ونحن أيضاً! نعم، لا يجب أن يحصل هذا معكم. لكن رجاءً لا تلعبوا ورقة التقية وتتظاهروا بأمور أنتم ترفضونها.


تقولون: «نُنبّه أن هذه اللغة الانفصالية والعدائية قد تفتح الباب واسعاً للدعوة إلى الوحدة السياسية والاقتصادية والجغرافية بين كل دول بلاد الشام... وعندها، فليتمتع «اليمين المسيحي اللبناني» بـ «اليمين الأوروبي والأميركي» خلف البحار، ولنتمتع نحن بمحيطنا العربي والإسلامي الواسع، الذي يشمل الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين، ويلتقي حتماً مع تركيا والخليج العربي، ويكون جزءاً لا يتجزأ من أمة الملياري مسلم في كل العالم...».



من كل قلبنا، ليعنِ ما يعنيه تنبيهكم بأن تدعوا إلى الوحدة السياسية والاقتصادية والجغرافية بين كلّ دول بلاد الشام. نحن بتنا اليوم مع طرحكم هذا بالوحدة مع المحيط إذا كنتم تحبّذونه. وبعد، وإذا رفضتم الدولة الفدرالية ومهما كان السبب، هل من الضروري أن تكون أي دولة خاصة بكم معاديةً لأي دولة خاصة بنا؟


لا نريد «التمتع باليمين خلف البحار»، نريد العيش إلى جانبكم في ما بقي من أرضنا من بعد الفتوحات بِحُريّة وأمان وسلام على أساس علاقات تقوم من الند إلى الند، لكن هل سألتم أنفسكم لو لمرة واحدة: لماذا نحن مضطرون لنتواصل مع العالم الغربي في كل حين نرى فيه فرصة لتحقيق حريتنا؟ أرجو أن تقرأوا هذا النص مرتيْن، فربما، أشدّد، ربما، هذه المرة الأولى نخاطبكم بصراحة (وإليكم منّا اعتذاراً لعدم قيامنا بهذا من قبل)، دائماً مع ملء المحبة وكامل الاحترام.



(*) طبيب قلب وباحث في تاريخ لبنان