مارتن عيد

فخامة الرئيس... البارحة ترشّح الأمل

تصوير رمزي الحاج

في هذا الوطن الذي يشبه قصيدةً قديمةً نُسيت في درج التاريخ، بات الحديث عن الهوية يشبه محاولة الإمساك بالماء. فمنذ سنوات طويلة، ونحن نعيش في وطن نبحث فيه عن وطن. كل شيء يتبدّل، ينهار، يُفقد أو يُسرق، حتى أصبح كثيرون منا يتساءلون بصوت خافت أو بصراخ ألم: من نحن؟ ماذا يعني أن أكون لبنانياً؟ وهل ما زال لهذا الانتماء طعمٌ أو معنى؟



لقد أتعبتنا الازدواجيات... نحن نكتب بالعربية ونحلم بالهجرة، نأكل المأكولات التراثية وندفع ثمنها بالدولار، نرفع أعلام الوطن في المباريات ونخجل من جواز سفرنا في المطارات. نحتفل بالاستقلال كل سنة ونحن مرتهنون، وننشد "كلنا للوطن" ونحن مختلفون.



هذا الشتات الوجودي لم يأتِ من فراغ. هو نتيجة عقود من غياب الدولة، من تناقضات قاتلة بين ما نقوله وما نعيشه، من فقر وذلّ وهجرة وخيبات. لقد تحولنا إلى شعب يركض في كل الاتجاهات، لكنه لا يصل.



لكنّ شيئًا ما تغيّر في الأمس.

في مشهد لا يمكن تجاهله، شهدنا في الانتخابات البلدية والاختيارية عودة ملحوظة لصوت الأمل. في مناطق كانت في ما مضى تحكمها الحسابات العائلية أو الغياب الكامل للمشاركة، برزت أسماء شابة جديدة، تقدّمت، ترشّحت، تجرّأت. لم يخافوا الصناديق ولا القوائم التقليدية. جاءوا بأمل، بوجع، بإصرار.



عسى أن تنسحب هذه الصحوة الإيجابية على كافة المناطق اللبنانية في الأيام الانتخابية المقبلة، لتُصبح المشاركة فعلاً وطنياً جامعاً لا مناسبة موسمية.



هذا ليس حدثاً عادياً. هذه ليست انتخابات بلدية فقط. إنها مؤشر صغير، لكنه مهم، على أن شيئاً في الوجدان اللبناني يتحرّك. كأنَّ انتخاب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، بعد شغور طال وطال كثيراً، قد أعاد شيئاً من الروح. كأنَّ الناس قالوا لأنفسهم: "لنجرّب مرة أخرى، ولو كانت الأخيرة".



فيا فخامة الرئيس، صوت الناس يقول لك اليوم:

لا تخذل الشباب.



لا تخذل من نزلوا إلى صناديق الاقتراع حاملين مشاريعهم لا ولاءاتهم، طموحاتهم لا حساباتهم. هؤلاء ليسوا مجرّد مرشحين في انتخابات محلية، بل هم صرخة جيل تعب من الشعارات وقرّر أن يتقدّم، ولو من باب ضيّق، نحو الفعل.



هم أبناء هذا البلد الذين لم يهاجروا، أو عادوا رغم الإغراءات، أو صمدوا رغم التهديدات. هم من يؤمنون بأن الإصلاح يبدأ من الحارات والشوارع، من المدرسة والبلدية، من الماء والكهرباء والخبز.



فخامتك اليوم أمام مفترق ضمير. أمامك فرصة نادرة لا لتكون مجرّد رئيس عابر يوقّع على الملفات، بل أن تُصبح شاهداً لا بل صانعاً للتحوّل. لا تدع الحماسة تموت. لا تسمح للزخم أن يُستهلك في دوائر المماطلة والصفقات. لا تتراجع، لا تستسلم، لا تتعب.



لقد رأينا في زيارتك إلى الخارج بوادر ثقة بدأت تتجدد. وها هي خطوة عودة الإخوة الإماراتيين إلى لبنان، بعد غياب طويل، تأتي كجرعة أمل إضافية بأن النبض بدأ يعود، وأن العلاقات تُرمّم، وأن أبواباً أُغلقت بدأت تُفتَح من جديد.



الشعب يشدّ على يدك، يا فخامة الرئيس. ويعلن ثقته بخطاب القسم، ويعوّل عليك. إنها ليست مجاملة، بل دعوة صادقة من مواطنين يريدون أن يعودوا للوطن. الجيل المتعب، الجيل المجروح، يعدك بأن يكون معك… فقط إذا كنت معه.



الجميع يعوّل على هذه الصفحة الجديدة.

صفحة إما نكتبها جميعاً بحبر الأمل، أو تُطوى إلى الأبد.

فإما أن ننجح كلنا هذه المرّة... أو على الدنيا السلام.