مي ابو زور

الأم اللبنانية العاملة بين ظلم المجتمع وإجحاف قانون العمل

حادثة وفاة رضيعة في إحدى الحضانات اللبنانية الأسبوع الماضي، فجّرت سجالاً واسعاً بين الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، عندما سارع البعض إلى صبّ غضبه على الوالدة، متّهمين إيّاها بالتقصير حيال طفلتها، ما دفع جزءاً كبيراً من المواطنين، للدفاع بشراسة عن الأمّ، والتذكير بالظروف التي قد تكون أجبرتها للإقدام على هذه الخطوة.


هذا الجدال أعاد إلى الواجهة، ملف المرأة العاملة وإجازة الأمومة التي يمنحها إيّاها القانون اللبناني، والتي تعتبر بنظر الكثيرين، غير كافية وظالمة بحق الوالدة والطفل على حدّ سواء، لأنّها تكون مجبرة للالتحاق باكراً بعملها، والابتعاد عن رضيعها، رغماً عنها.



فإلى جانب رغبة المرأة اللبنانية في الحفاظ على عملها وتطوير نفسها في مهنتها، دفعتها الأزمة الاقتصادية الحادة التي يشهدها لبنان، للدخول في سوق العمل، كي تكون عوناً لزوجها في تأمين احتياجات الأسرة ومواجهة التحديات المعيشية المتزايدة. ورغم أن العمل أصبح ضرورة للكثير من النساء، إلا أن بعض الآراء المجتمعية ما زالت تهاجم المرأة التي تترك أطفالها في الحضانة لتعمل، وتعتبر ذلك نوعاً من الإهمال. لكن هذا الهجوم يعكس غياب الفهم الحقيقي للواقع القانوني المجحف بحق الأم، وغياب قانون العمل عن النصوص التي تصون حقوقها، حيث أصبحت المراة اللبنانية ضحية المجتمع من جهة والقانون من جهة اخرى.


وعن هذا الملف، تحدثت "نداء الوطن" مع المحامية في الاستئناف الأستاذة نانسي داغر، التي اعتبرت ان في لبنان، ورغم وجود نص قانوني ينظّم إجازة الأمومة، إلا أن الإطار القانوني لا يزال يعاني من محدودية في الحماية، ويفتقر إلى بنية متكاملة توازن بين الحياة المهنية والواجبات الأسرية.


فقانون العمل اللبناني منح المرأة العاملة إجازة أمومة مدفوعة الأجر لمدة عشرة أسابيع (70 يوماً)، تشمل فترة ما قبل وما بعد الولادة، وهو ما يُعتبر حقّاً مكتسباً منذ اليوم الأول للعمل. ورغم أن هذا النص شكّل خطوة إيجابية في حينه، إلا أنّه لم يُعدّل منذ سنوات، وبقي قاصراً عن تحقيق التوازن المطلوب، خاصة في ظل تحمّل صاحب العمل وحده كلفة هذه الإجازة في القطاع الخاص.


وقالت داغر: "لبنان ملتزم بالاتفاقيات الدولية لحماية الأمومة كالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1972 واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو): والتي صادق عليها لبنان سنة 1997، وتُلزمه باتخاذ التدابير التشريعية اللازمة لضمان حماية الأم من التمييز الوظيفي بسبب الحمل والولادة وغيرها من اتفاقيات العمل العربية والدولية ذات الصلة."

واعتبرت داغر ان المطالبة بمصادقة لبنان على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 183/2000 لا تأتي من فراغ، بل تنسجم مع ما أقرّه في مواثيق أخرى ذات طابع مُلزم.


وفي مقارنة دولية واقليمية بين لبنان وباقي الدول فالسويد مثلاً تُمنح إجازة أمومة وأبوة مشتركة تصل إلى 480 يوماً، مع تعويض مالي يبلغ 80% من الراتب، تُمول من الضمان الاجتماعي، أما في فرنسا فتمتد إجازة الأمومة إلى 16 أسبوعاً، قابلة للتمديد في حالات خاصة، وتُغطى من التأمين الاجتماعي.


اما الدول العربية فالمغرب تمنح 14 أسبوعاً مدفوعة الأجر للأمهات، مع تغطية من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والإمارات تمنح 60 يوماً إجازة أمومة في القطاع الحكومي، وإجازة أبوة مدفوعة لمدة 5 أيام. وفي لبنان تُمنح المرأة 10 اسابيع ويكون التمويل كامل الكلفة على صاحب العمل مع غياب إجازة الابوة والحماية بعد العودة من الإجازة.


واضافت داغر ان القانون اللبناني لا يتضمن نصاً خاصاً بإجازة الأبوة، وهو ما يُكرّس الأدوار التقليدية ويُضعف مبدأ المشاركة العائلية في رعاية الطفل. في هذا السياق، تقدّمت النائبة عناية عز الدين باقتراح قانون يرمي إلى منح الأب العامل إجازة أبوّة مدفوعة لمدة 10 أيام تُصرف عند ولادة الطفل.


يشكّل هذا الاقتراح نقلة نوعية في التفكير القانوني اللبناني، ويعكس فهماً حديثاً لمسؤوليات الوالدين، خصوصاً في الأيام الأولى بعد الولادة. ورغم أهميته، لا يزال هذا الاقتراح في مرحلة الدراسة داخل اللجان النيابية، ويُؤمل أن يُدرج على جدول الأعمال التشريعي في القريب العاجل.


وتذكّر الاستاذة داغر، بأن هناك بعض الاقتراحات كتمديد إجازة الأمومة إلى 14 أسبوعاً على الأقل وتقاسم الكلفة بين صاحب العمل والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مع تشديد العقوبات على المؤسسات التي تفصل النساء بسبب الحمل إضافة لمنح إجازة أبوّة يكون للمرأة معيل لها في هذه الفترة.


وختمت داغر أن حماية الأمومة ليست مسألة تتعلق فقط بحقوق النساء، بل هي التزام أخلاقي وقانوني تجاه المجتمع والأسرة والطفل، مشيرة إلى أن لبنان وإن خطا خطوات جزئية، لا يزال بحاجة إلى إصلاح شامل في بنيته القانونية والاجتماعية، عبر تحديث التشريعات، وتفعيل دور الدولة ومؤسسات الحماية الاجتماعية، بما يضمن تحقيق العدالة الجندرية والكرامة الإنسانية لكل عامل وعاملة.