سألتُ مصدراً رفيعاً، رِفعَ إصبع، عن سبب تأجيل زيارة المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى بيروت. هل صحيح أن الزيارة تأجلت بانتظار جلاء مآل المفاوضات الأميركية/الإيرانية؟ أو أُرجئت لعدم وجود بوادر حلحلة على صعيد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب وتسليم سلاح "حزب الله"؟
حكّ المصدر رأسه المفترض. سوّى قعدته على كنبة الجلد الوثيرة. أشعل سيكاراً "كوهيبا بهيك 56" بتمهل. نفث أول دفعة من الدخان في وجهي. ثم ارتشف رشفة قهوة بتلذّذ. وقال بأفعال أمر: إسمعني جيّداً. ركّز. إفهم جيداً ما الذي سأقوله. استنفرت ما بقي لي من حواس. ناولته أذني اليسرى. وأصغيت.
كرر: إفهم جيداً ماذا سأقول. إنت مش عم تفهم.
أجبت: لكنك لم تقل شيئاً بعد.
أخذ مجة ثانية بشغف نفخها وأردف: صبراً صبراً. إفتح أذنيك جيداً. ركّز معي. إنت مش مركّز.
"برحمة جوني هاليدي الذي لم يعِش يوماً مثل البشر أنا في حال استنفار عقلي كامل" قلت وأنا أبحلق فيه.
" Cherchez Moustafa"
قال راسماً على شفتيه ابتسامة ماكرة. انتظر دهشتي فتأخرت. أعاد إشعال السيكار المنطفئ بأسلوب مسرحي. وتوقع مني كل شيء إلّا أن أسأله بشيء من البراءة "ومن هو مصطفى؟" أشعرني أنني غير أهلٍ لإضاعة وقته. فهجم عليّ:
ولو، هل بلغت فيكم، أنتم معشر الصحافيين، البلادة إلى هذا الحد؟ ألا تقرأون التحولات الكبرى؟ ألا تتابعون رجالات (على وزن شوالات) الصمود والتصدي؟ ألم تسمعوا يوماً برجل استثنائي اسمه مصطفى بيرم. صراحة شعرت أن البهدلة أتت في مكانها الصحيح ويستأهلها كل من لا يلقط على الطاير.
اندهشت لا بل "سطّلت" وكأنه قرأ في عينيّ المحمرّتين من إزعاج سيكاره طلباً لمعلومات تصلح لـ "سكوب" فعاجلني بما لديه. مصطفى بات يشكل خطراً على إدارة ترامب. يكاد يكون الوحيد الذي تجرّأ على مسز أورتاغوس. إسمع ماذا قال عنها. و"فهام عليي". احترت هل أفهم قبل أن أسمع. هوّنها الله وباح بما لديه. وكالة الاستخبارات الأميركية أبلغت إدارة ترامب أن مصطفى وصف أورتاغوس بـ "الصهيونية"، الخبيثة الوقحة، المنفصلة عن الواقع وأبلغها بالحرف الواحد "ليكي يا مورغان لبنان عصي عليك وعلى مَن فوقك ومَن تحتك من غلمان أنذال خائبين".
في الواقع "كرتعها" بكل ما لـ "الكرتعة" من معنى، وخشيت أورتاغوس إن حضرت إلى لبنان أن "يبرشها" مصطفى كسمكة جربيدي.
بعدما "استفرغ" المرجع أمامي كل ما قرأه على منصة إكس. ومعس السيكار في المنفضة بحركة عصبية. ختم المرجع: "وأخطر ما قاله بيرم إن أورتاغوس غبية. بذا أحرج الإدارة الأميركية وقد لا تعود أورتاغوس إلى لبنان. آخ منك يا مصطفى".