بخلاف سائر الانتخابات البلدية التي شهدتها القرى والمدن في المحافظات، لم تكن الانتخابات في العاصمة بيروت مجرّد انتخابات بلدية، بل كانت نوعاً من أنواع "الاستفتاء المقنّع" أو "الاستطلاع بالنار"، للانتخابات النيابية المقبلة، بعد سنة من اليوم. أو صُدفة غير متعمّدة لمعرفة أوزان القوى السياسية والأحزاب فيها بشكل مسبق.
خالفت نتائج الانتخابات البلدية في بيروت الكثير من التوقعات، خصوصاً لناحية تقدير "المزاج السنّي" في المدينة، والذي أظهر بعد التدقيق في الأرقام وتأملها، أنّ السُنّة في بيروت:
1. يواصلون التأثّر بجو "تيار المستقبل"، ولو أنّه يستمرّ في تعليق عمله السياسي.
2. كفروا بقوى التغيير ولفظوها تقريباً، أو على طريقهم للفظها نهائياً.
3. للإسلام السياسي اليد الطولى في العاصمة حتى اللحظة.
تشير لوائح الشطب في العاصمة بيروت إلى أنّ عدد الناخبين السُنّة هو 250 ألف شخص، اقترع منهم 68 ألفاً أو ما يعادل 27 % فقط. أما تلك الـ27 % فتناتشتها 5 لوائح رئيسية، حلّت على رأسها لائحة "بيروت بتحبك" التي ترأسها العميد محمود الجمل المقرب من "تيار المستقبل" والمدعوم من "الجماعة الإسلامية" والنائب نبيل بدر.
استطاعت "لائحة الجمل" أن تحصد 48 % من أصوات السنة في بيروت (33 ألف صوت)، أيّ قرابة نصف المقترعين، في حين حلّت لائحة أحزاب السلطة في المركز الثاني حاصلة على 23.5 % من الأصوات برصيد 16 ألف صوت سُنّي.
وكما هو معروف، فإنّ القدرة التجييرية لجمعية المشاريع (الأحباش) في بيروت، هي بين 13 و 15 ألف صوت. وهذا يعني أنّ "رافعة" اللائحة وقائد الأوركسترا فيها النائب فؤاد مخزومي، لم يستطع التجيير أكثر من 1000 أو 1500 صوت للائحته... وهذا يُعدّ نذير شؤمِ لنائب حاليّ يطمح لتجديد ولايته في المجلس النيابي المقبل، أو يسعى ليكون مرشحاً قوياً لرئاسة الحكومة!
أمّا لائحة قوى التغيير (بيروت مدينتي) التي كانت مدعومة من 3 نواب تغييريين، هم: إبراهيم منيمنة، وبولا يعقوبيان، وملحم خلف. فلم تحصد سوى 8 آلاف صوت، أو ما يمثّل 11.7 % من أصوات البيارتة السُنّة. الأول على هذه اللائحة حَصَدَ قرابة 12 ألف صوت، وهذا يعني أنّ النائبين خلف ويعقوبيان، لم يستطيعا مجتمعَين تجيير أكثر من 4 آلاف صوت للائحة في دائرة بيروت الأولى (الدائرة المسيحية)، أي ما معدله 2000 صوت لكل واحد منهما.
أما أصوات السنّة الـ 8 آلاف في الدائرة الثانية، فتمثّل قرابة 60 % فقط من الأصوات التي حصل عليها النائب إبراهيم منيمنة في بيروت في الانتخابات النيابية للعام 2022 (13 ألف صوت تقريباً) وهذا يعني أنّ منيمنة قد تراجعت قدرته التجييرية للأصوات بنحو 40 % تقريباً حتى الآن، وهي بدورها كانت "صدمة" كبيرة، خصوصاً أن منيمنة كان يتحضّر لإعلان نفسه "صانع بلديات" بعد مقولة "صانع رؤساء الحكومات" التي أحاط بها نفسه قبيل وبعد تكليف الرئيس نواف سلام. هذه الأرقام نسفت ذاك الحلف وأعادت منيمنة إلى أرض الواقع، حيث فرضت عليه السعي مجدداً لكسب مقعد نيابيّ يبدو صعباً جداً وفق السيناريو الحالي.
المفاجأة حققتها لائحة "أولاد البلد" التي ترأستها السيدة رولا العجوز. هذه اللائحة حصدت 10.2 % من أصوات المقترعين، وكانت بمنزلة "خيار ثالث" لبعض أهالي بيروت الذين كانوا يطمحون إلى الابتعاد عن الاستقطاب السياسي، من خلال صبّ أصواتهم ضمن لائحة محايدة. استطاعت عجوز من خلال هذه الجولة الانتخابية أنّ تفتح لنفسها طاقة أمل (ولو صغيرة) تساعدها ربما في الوصول إلى الندوة البرلمانية في حال ساعدتها الظروف في حينه.
أمّا بقية الـ 5.8 % من أصوات السُنّة في بيروت، فكانت من نصيب لائحة "بيروت عاصمتنا" برصيد 4 آلاف صوت.