ثمّة ما يحدث أحياناً في زحمة يومياتنا نمرّ به مرور الكرام. لكن، أحياناً حَدثٌ غير متوقّع، يجعلنا نعيد الشريط قليلاً ونتوقّف عند تفاصيل فنوقن أنّ ثمّة صدفاً أو رسائل في هذه الحياة تأتينا من غير أن نتنبّه لها فوراً.
مناسبة هذه السطور، الرحيل الصاعق، يوم الأربعاء، للموسيقي والمغنّي والمدرّب على تطوير الذات والمهندس يوسف أبو حمد، العمود الأساس لفرقة "رند" الغنائيّة، التي تضمّه وشقيقتيه جمال وليلي أبو حمد.
يوسف، الشاب الدمث الطموح الهادئ، الذي خاض منذ حوالى 12 سنة عالم التأليف والتلحين والغناء في فرقته العائلية، وأدار "جوقة الجعيتاوي" للترانيم الدينية و"جوقة كنيسة سيدة العطايا" في الأشرفية، كان أصدر مع جمال وليلي قبل أسبوع أغنيتهم الجديدة التي لم يكن أحد يدري أنها ستكون الأخيرة للإخوة الثلاثة مجتمعين.
فأيّ صدفة أو رسالة أن يكون عنوان تلك الأغنية: "صرنا بعاد"؟
وأيّ صدفة أن يظهر في "فيديو كليب" الأغنية، جميع أفراد عائلة يوسف بمن فيهم طفلته الوحيدة ماريا التي لم تكمل عامها الأول بعد؟
وأيّ صدفة أن تختار فرقة "رند" غناء هذه القصيدة بالذات، من بين كلّ قصائد الشاعر الراحل روحي طعمة، منذ عام 2022 لتُصدرها قبل أسبوع في العام 2025؟
أغنية تقول كلماتها:
"صرنا بعاد
ما ضلّ عندي قلب يلهفلي
ولا صوت لحن الحب يعزفلي
وين رحتِ وكيف صرنا بعاد
والحلم واسع والعمر غفلي.
بعد التلاقي وعجقة الأعياد
فلّو اللّي كانو وخلصت الحفلي
بِيعنّ عا بالي الزمن ينعاد
تَبطِّل كبير إرجع أنا طفلي
بِتعنّ عا بالي الطفولي كتير
هونيك بذكر كنت لاقيكِ
مين كان عارف هيك رح بيصير
ويمضى عمر ما إلتقي فيكِ"
فهل كلّ ما سبق، مجرّد صدف بحتة لا قيمة لها في مفهوم الحياة والموت؟ أم أنّ آخر ما لحّن وغنّى يوسف، شاء الله أو القدر أو الصدفة أو يوسف بالذات، أن يكون رسالة وداع وذكرى باقية منه لمن تركهم وهو في عزّ الطموح والحلم والسعي لبلوغ ما كان يهدف إليه في الفن والحياة؟
أسئلة ستبقى بلا إجابات على الأرجح.
المؤكّد الوحيد هو أنّ يوسف أبو حمد مضى باكراً من بين عائلته ومحبّيه، هو الذي قال للزميلة ألين الحاج ذات مقابلة مع "نداء الوطن" بتاريخ 12-02-2025: "فرقتنا غير مستعجلة ونرفض المساومة على جودة أعمالنا".
ترى لو كان يعلم أنّ رحيله عن هذا العالم سيكون بهذه السرعة، هل كان استعجل فقدّم ما كان ينتوي تقديمه من أعمال غنائية؟ أم أنّ الموت سرقه حتى لا يضطرّه واقع الحياة إلى المساومة على فنّه كما كان يراه ويفهمه ويريده؟
عساك يا يوسف، كما قدت جوقة الترتيل على هذه الأرض، تقود اليوم، فوق، جوقة ملائكية ترمي في القلوب المكلومة التي تركتها هنا، نغمة طمأنينة وعزاء.